للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الرجل مؤدٍّ لحقوق عظيمة، لكنه فرَّط في أعظمها، وترك أعظمها، وهو حق الله -جل وعلا-، قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: ٣٦]، فهذا الرجل عمل هذه الأعمال، وأدَّى هذه الصالحات، يريد الثناء والذكر، لا يرجو من الله ثوابًا، ولا يخاف من عقابه، فكان إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- عن حاله أنَّها لا تنفعه عند الله -جل وعلا-.

ولما أسلم عدي بن حاتم -رضي الله عنه-، وهو ابن صاحب المفاخر، فأبوه حاتم الطائي الذي تضرب العرب به المثل في الجود والكرم. فوقف عديٌ -رضي الله عنه- بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، يسأل عن عمل أبيه حاتم الطائي. فقال: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ أَبَاكَ أَرَادَ أَمْرًا فَأَدْرَكَهُ» (١)؛ يعني: الذكر، أراد من كرمه وإحسانه إلى النَّاس الذكر والثناء والسُمعة؛ فأدركها في الدنيا، فأمَّا يوم القيامة فلا.

وأما ما ورد في شأن أبي طالب أنه يخفف عنه فهذا من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم- كما تقدم في أحاديث الشفاعة.

حُفَّت النار بالشهوات:

إن طريق جهنم قد حُفَّ بالشهوات؛ ولذلك يقع كثيرٌ من الناس في حبائل الشيطان ويقع كثيرٌ من الناس في هذه الشهوات التي زُيِّنَتْ لهم. والواجب على المسلم أن يجاهد نفسه في هذه الدنيا. يقول الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آل عمران: ١٤] هذه الدنيا هي التي فُتِنَ بها كثيرٌ من الناس، وما عند الله خيرٌ وأبقى.


(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند (٣٠/ ٢٠٠) ط الرسالة رقم (١٨٢٦٢) وابن حبان: (٣٣٢)، وصححه الألباني في "التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان" (١/ ٣٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>