للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥)} [ص: ٥] ففهموا من هذه الكلمة أنها: تُبطِلُ عبادةَ الطواغيت كلِّها وتَخصُّ العبادة لله وحده. ومثل هذا قول قوم هود -عليها السلام- لما دعاهم إلى قول لا إله إلا الله: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [الأعراف: ٧٠]. وهذا هو معنى "لا إله إلا الله" فإذا قال العبد: "لا إله إلا الله" فقد أعلن وجوب إفراد الله بالعبادة وبطلان عبادة ما سواه من الأصنام والقبور والأولياء وغيرها.

[أركان كلمة التوحيد]

يقول العلماء هذه الكلمة لها ركنان عظيمان: ركن فيه نفي، وركن فيه إثبات.

فـ"لا إله" نفيُ استحقاقِ العبادة عن كل ما سوى الله، و "إلا الله" إثباتُ استحقاق العبادة لله -جل وعلا- وحده فلا شريك له في عبادته كما أنه ليس له شريك في ملكه -سبحانه وتعالى-.

ولا ينتفع الإنسان بقول: "لا إله إلا الله" إلا إذا حقَّقَ أركانها وشروطها، ومات على ذلك دون أن يرتكب ناقضًا من نواقضها. وبذلك يزول الوهمُ الذي تعلق به بعض الناس، وهو أن مجرد التلفظ بهذه الكلمة يكفي أخذًا بظاهر هذه النصوص. فيجب على الإنسان أن يقولها بلسانه، وكذلك يجب أن يعتقدها بقلبه، وأن يحقق ما دلت عليه هذه الكلمة العظيمة المباركة، وهي أن صاحبها لا بد أن يحقق التوحيد لله -سبحانه وتعالى-، وسيأتي-إن شاء الله تعالى-في مجلس قادم ذكرُ ما يتعلق بشروط لا إله إلا الله.

قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: "لو أنَّ أحدًا آمن بوجود الله، وآمن بربوبية الله، ولكنه يعبد مع الله غيرَه فلا يكون مؤمنًا بالله حتى يُفرِده-سبحانه-بالألوهية" (١).

هذا يدل على أنه لا بُدَّ من تحقيق ركن الإيمان بالله، فهذه الشعبة العليا من شعب الإيمان لا تتحقق إلا بهذه الأمور العظيمة: إثبات وجود الله، والإيمان بربوبيته، والإيمان بألوهيته -سبحانه وتعالى-.

[العبادة لا تصرف إلا لله]

إذا عرف الإنسان هذا الباب وعرفَ أن دعوة الأنبياء جاءت لتحقيق هذا الأصل العظيم وفَقِهَ معنى التوحيد حقًّا عرف أنه لا يجوز أن يُصرَف أي نوع من أنواع العبادة إلا لله. وانظر إلى قول الله -سبحانه وتعالى-: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢)


(١) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (٣/ ١٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>