للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ربنا -جل وعلا- لعبده ورسوله سيد الأولين والآخرين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)} [الزمر]. وقال -جل وعلا-: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: ١٤٤].

[يخدم نفسه ويحلب شاته]

وقد سُئِلتُ عائشة -رضي الله عنها-: ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعمل في بيته؟ فقالت: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ» رواه البخاري (١) وفي المسند: قَالَتْ: «نَعَمْ، كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيُخِيطُ ثَوْبَهُ [وفي رواية: وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ]، وَيُعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ» (٢)

وفي رواية: قالت: «كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ» (٣).

[الغضب]

وقال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ، وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ، فَرَأَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الْيَتِيمَةَ، فَقَالَ: «آنْتِ هِيَهْ؟ لَقَدْ كَبِرْتِ، لَا كَبِرَ سِنُّكِ» فَرَجَعَتِ الْيَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَبْكِي، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: مَا لَكِ يَا بُنَيَّةُ؟ قَالَتِ الْجَارِيَةُ: دَعَا عَلَيَّ نَبِيُّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنِّي، فَالْآنَ لَا يَكْبَرُ سِنِّي أَبَدًا، أَوْ قَالَتْ قَرْنِي فَخَرَجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا، حَتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَا لَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ» فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَدَعَوْتَ عَلَى يَتِيمَتِي قَالَ: «وَمَا ذَاكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟» قَالَتْ: زَعَمَتْ أَنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنُّهَا، وَلَا يَكْبَرَ قَرْنُهَا، قَالَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ قَالَ: «يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ شَرْطِي عَلَى رَبِّي، أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ، مِنْ أُمَّتِي، بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ، أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً، وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (٤).


(١) صحيح البخاري (٦٧٦)
(٢) أخرجه أحمد (٢٤٧٤٩، ٢٤٩٠٣، ٢٥٣٤١، ٢٦١٩٤).
(٣) أخرجه أحمد (٢٦١٩٤) والبخاري في الأدب المفرد (٥٤١) والترمذي في الشمائل (٣٤٢) وابن حبان (٥٦٧٥).
(٤) أخرجه مسلم (٢٦٠٣) وهو حديث متواتر: ففي الباب حديث آخر لأنس -رضي الله عنه- رواه أحمد (١٢٤٣١) وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- رواه البخاري (٦٣٦١) ومسلم (٢٦٠١) وعن عائشة -رضي الله عنها- رواه مسلم (٢٦٠٠) ولها حديث آخر رواه أحمد (٢٤٢٥٩) وعن جابر -رضي الله عنه- رواه مسلم (٢٦٠٢) وعن سلمان -رضي الله عنه- رواه أبو داود (٤٦٥٩) وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- رواه أحمد (١١٢٩٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>