للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} [الرعد: ٤] فهي زروع مختلفة، قال فيها الله -سبحانه وتعالى-: {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} [الرعد: ٤] ثمار مختلفة، بزراعة واحدة وطريقة واحدة، وماء واحد، وتختلف الزروع في طعومها وألوانها وروائحها: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)} [الرعد: ٤] (١).

قال الحافظ ابن كثير: فَهَذَا فِي غَايَةِ الْحَلَاوَةِ وَذَا فِي غَايَةِ الْحُمُوضَةِ، وَذَا فِي غَايَةِ الْمَرَارَةِ وَذَا عَفِص، وَهَذَا عَذْبٌ وَهَذَا جَمَعَ هَذَا وَهَذَا، ثُمَّ يَسْتَحِيلُ إِلَى طَعْمٍ آخَرَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذَا أَصْفَرُ وَهَذَا أَحْمَرُ، وَهَذَا أَبْيَضُ وَهَذَا أَسْوَدُ وَهَذَا أَزْرَقُ. وَكَذَلِكَ الزُّهُورَاتُ مَعَ أَنَّ كُلَّهَا يُسْتَمَدُّ مِنْ طَبِيعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ الْمَاءُ، مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَنْحَصِرُ وَلَا يَنْضَبِطُ، فَفِي ذَلِكَ آيَاتٌ لِمَنْ كَانَ وَاعِيًا، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الدَّلَالَاتِ عَلَى الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ، الَّذِي بِقُدْرَتِهِ فَاوَتَ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ وَخَلَقَهَا عَلَى مَا يُرِيدُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)} [الرعد: ٤] ا. هـ (٢)

[من أدلة الإمام أحمد العقلية على وجود الله]

وسُئِل الإمام أحمد -رحمه الله- عن ذلك، فقال: هاهنا حصن حصين أملس، ليس له باب ولا منفذ، ظاهرُهُ كالفضة بيضاء، وباطنه كالذهب إبريز، فبينما هو كذلك إذ انصدع جدار، فخرج منه حيوان سميع بصير، ذو شكل حسن وصوت مليح. يعني بذلك البيضة


(١) ومن الاستنباطات الجميلة في تفسير الآية ما رواه الطبري في تفسيره (١٣/ ٤٢٦/ ط هجر) عَنِ الْحَسَنِ -وهو البصري-، قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِقُلُوبِ بَنِي آدَمَ، كَانَتِ الْأَرْضُ فِي يَدِ الرَّحْمَنِ طِينَةً وَاحِدَةً، فَسَطَحَهَا وَبَطَحَهَا، فَصَارَتِ الْأَرْضُ قِطَعًا مُتَجَاوِرَاتٍ، فَيَنْزِلُ عَلَيْهَا الْمَاءُ مِنَ السَّمَاءِ، فَتُخْرِجُ هَذِهِ زَهْرَتَهَا، وَثَمَرَهَا، وَشَجَرَهَا، وَتُخْرِجُ نَبَاتَهَا، وَتُحْيِي مَوَاتَهَا، وَتُخْرِجُ هَذِهِ سَبَخَهَا، وَمِلْحَهَا، وَخَبَثَهَا، وَكِلْتَاهُمَا تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ كَانَ الْمَاءُ مَالِحًا قِيلَ: إِنَّمَا اسْتَسْبَخَتْ هَذِهِ مِنْ قِبَلِ الْمَاءِ، كَذَلِكَ النَّاسُ خُلِقُوا مِنْ آدَمَ، فَيَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ تَذْكِرَةً، فَتَرِقُّ قُلُوبٌ فَتَخْشَعُ وَتَخْضَعُ، وَتَقْسُو قُلُوبٌ فَتَلْهُو وَتَسْهُو وَتَجْفُو ". قَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ مَا جَالَسَ الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ مِنْ عِنْدِهِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، قَالَ اللَّهُ: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (٨٢)} [الإسراء].
(٢) تفسير ابن كثير ت سلامة (٤/ ٤٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>