للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية -رحمه الله-: وَلَكِنْ إنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ خَالِصًا صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ، وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ، إذْ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ كَمَا صَحَّتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لَكِنْ مَنْ دَخَلَهَا مِنْ فُسَّاقِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنْ أَهْلِ السَّرِقَةِ، وَالزِّنَا، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَأَكْلِ الرِّبَا، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ، فَإِنَّهُمْ إذَا عَذَّبَهُمْ فِيهَا عَذَّبَهُمْ عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ، كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إلَى حِقْوَيْهِ؛ وَمَكَثُوا فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثُوا أُخْرِجُوا بَعْدَ ذَلِكَ كَالْحِمَمِ فَيُلْقَوْنَ فِي نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ الْحَيَاةُ فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ. وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ مَكْتُوبٌ عَلَى رِقَابِهِمْ هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ عُتَقَاءُ اللَّهِ مِنْ النَّارِ. وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ طَوِيلٌ لَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمَوْضِعُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا. هـ (١)

[موت عصاة المؤمنين في النار إذا دخلوها]

كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ - أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ - فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا، أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ، فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ (٢)، فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قِيلَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ» (٣)

قال النووي -رحمه الله-: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُذْنِبِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُمِيتُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِمَاتَةً بَعْدَ أَنْ يُعَذَّبُوا الْمُدَّةَ الَّتِي أَرَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذِهِ الْإِمَاتَةُ إِمَاتَةٌ حَقِيقِيَّةٌ، يَذْهَبُ مَعَهَا الْإِحْسَاسُ وَيَكُونُ عَذَابُهُمْ عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ، ثُمَّ يُمِيتُهُمْ ثُمَّ يَكُونُونَ مَحْبُوسِينَ فِي النَّارِ مِنْ غَيْرِ إِحْسَاسٍ الْمُدَّةَ الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ مَوْتَى قَدْ صَارُوا فَحْمًا


(١) مجموع الفتاوى (٣٥/ ٢٠٣)
(٢) جمع ضبارة بفتح الضاد وكسرها، وهو الأشهر ويقال فيها أيضا إضبارة قال أهل اللغة الضبائر جماعات في تفرقة (فبثوا) معناه فرقوا.
(٣) صحيح مسلم (١٨٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>