للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودلالاتٍ نافعة تتعلق بالعقيدة والعبادة والأخلاق.

[التوسل إلى الله بعلمه الغيب]

فتأمَّلْ قوله في أول الدعاء: «اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي». فالعبد هنا يتوسل إلى الله -جل وعلا- بعلمه فيقول: «اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ» فهو يفوِّض أمره إلى الله -جل وعلا- لأن الله هو الذي يعلم الغيب: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: ٦٥] فيتوسل إلى الله -سبحانه- بعلمه الذي أحاط بكل شيء، وأنه -سبحانه- يعلم خفايا الأمور وبواطنها كما يعلم ظاهرها وعلنها، فيتوسل إلى الله بهذا العلم المحيط وبهذه الصفة من صفاته -جل وعلا-. (١)

قال ابن القيم: «وقد دلَّ الحديث على أنّ التوسل إليه سبحانه بأسمائه وصفاته أحبُّ إليه وأنفع للعبد من التوسل إليه بمخلوقاته … قال: وهذا تحقيق لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: ١٨٠]» (٢)

[التوسل إلى الله بقدرته]

ثم يتوسل العبد إلى الله -جل وعلا- بقدرته النافذة في جميع الخلق، فلا معقِّب لحكمه، ولا رادَّ لقضائه، فيقول: «أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي».

[الحكمة من التعليق في الدعاء بالعلم والقدرة]

وجاء التعليق في هذا الدعاء بعلم الله وقدرته، لأن الموت والحياة، ونحوهما مثل الغنى والفقر، والولد والأهل، وسائر حوائج الدُّنْيَا من الأمور التي تُجْهَل عواقبها، فهذه لا ينبغي أن يسأل الله منها إلا ما يعلم فيه الخيرة للعبد، فإن العبد جاهل بعواقب الأمور، وهو مع هذا عاجز عن تحصيل مصالحه ودفع مضاره، فيتعين عليه أن يسأل حوائجه من


(١) قال ابن القيم -رحمه الله- في «شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم» (٢/ ٣٤٩) وقد دلَّ القرآن والسنة على إثبات مصادر هذه الأسماء له سبحانه وصفًا … ثم ذكر هذا الحديث مع أدلة أخرى وقال: ولولا هذه المصادر لانتفت حقائق الأسماء والصفات والأفعال؛ فإن أفعاله عن صفاته، وأسماءه عن أفعاله وصفاته، فإذا لم يقم به فعل ولا صفة؛ فلا معنى للاسم المجرّد، وهو بمنزلة صوت لا يفيد شيئًا، وهذا غاية الإلحاد ا. هـ
(٢) «شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم» (٢/ ٣٦٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>