للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الآيات فيها جملة من الدلائل على تحقق البعث والجزاء والنشور، فالله سبحانه احتجَّ بالإبداء على الإعادة، وبالنشأة الأولى على النشأة الأخرى؛ إذ كلُّ عاقلٍ يعلم ضرورةً أن من قَدَرَ على هذه قَدَرَ هذه. وأكَّد سبحانه الأمر بحجة قاهرة وبرهان ظاهر، فقال -جل وعلا-: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠)} [يس]. فأخبر سبحانه بإخراج هذا العنصر الذي هو في غاية الحرارة واليبوسة من الشجر الأخضر الممتلِئ بالرطوبة والبرودة!! فهذا ضربٌ للأمثال وتبيينٌ من الله، ثم يأتي التأكيد من الله على ذلك في هذه الآيات: يقول: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ}. ثم يؤكِّد اللهُ -جل وعلا- أنَّ فعله ليس بمنزلة غيره: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)}. [يس]

[أمثلة حسية رآها الناس لإحياء الموتى]

ومن دلائل القرآن على تحقق البعث والجزاء والنشور أنَّ الله أرى الناسَ بعضَ هذه الأمور في هذه الدنيا؛ ليتبين لهم أن الله -عز وجل- على كل شيء قدير. ومن هذه الأمثلة:

[المثال الأول]

يقول البيهقي -رحمه الله-: "وقد نبَّهَنا اللهُ -عز وجل- على إحياء الموتى بما أخبر من إراءة إبراهيم -عليها السلام- إحياء الأموات، وقد نَقَلَتْهُ عامَّةُ أهل الملل" (١).

فهذا أمرٌ بيَّنَه اللهُ في القرآن، وتناقلته عامة أهل الملل كما يقول البيهقي -رحمه الله-، وذلك في قول الله في قصة إبراهيم -عليها السلام-: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ


(١) شعب الإيمان (١/ ٤١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>