ويقول -جل وعلا-: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨)} [يس: ٧٨] أي: وضرب لنا هذا المكذِّب بالبعث {مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨)}. جاء رجلٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه عَظْمٌ يَفُتُّه بين يديه، ويقول يا محمد، أتزعم أن الله يبعث هذا؟! فنزلت الآيات: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)} [يس]. (١)
(١) قال ابن كثير في التفسير (٦/ ٥٩٤): قَالَ مُجَاهِدٌ، وعِكْرِمَة، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، والسُّدِّي. وَقَتَادَةُ: جَاءَ أُبي بْنُ خَلَفٍ لَعَنَهُ اللَّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَفِي يَدِهِ عَظْمٌ رَمِيمٌ وَهُوَ يُفَتِّتُه وَيُذْرِيهِ فِي الْهَوَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ هَذَا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، يُمِيتُكَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ يَبْعَثُكَ، ثُمَّ يَحْشُرُكَ إِلَى النَّارِ». وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ "يس": … ، إِلَى آخِرِهِنَّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحسين بْنِ الْجُنَيْدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الزَّيَّاتُ، عَنْ هُشَيْم، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عباس -رضي الله عنهما-، أن العاصي بْنَ وَائِلٍ أَخَذَ عَظْمًا مِنَ الْبَطْحَاءِ ففتَّه بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُحْيِي اللَّهُ هَذَا بَعْدَ مَا أَرَى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «نَعَمْ، يُمِيتُكَ اللَّهُ ثُمَّ يُحْيِيكَ، ثُمَّ يدخلك جهنم». قال: وَنَزَلَتِ الْآيَاتُ مِنْ آخَرِ "يس". وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَذَكَرَهُ وَلَمْ يَذْكُرِ "ابْنَ عَبَّاسٍ" ا هـ. قلت: حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- المذكور حديث صحيح، رواه أيضا الإسماعيلي في المعجم (٣٥٩) وابن مردويه في تفسيره -كما في الدر المنثور (٧/ ٧٤) - ومن طريقه رواه الضياء المقدسي في المختارة (١٠/ ٨٧) - من طريق أبي كريب محمد بن العلاء حدثنا عثمان به -وعثمان صدوق- وقد توبع؛. فقد رواه الحاكم في المستدرك (٣٦٠٦) -وعنه البيهقي في البعث (١٥) - من طريق عمرو بن عون -وهو ثقة ثبت- قال حدثنا هشيم أنبأنا أبو بشر به. وقال الحاكم: هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ا. هـ قلت: رجاله رجال الشيخين، وليس على شرطهما، فإن الحاكم رواه من طريق عمرو بن عون -وهو من شيوخ البخاري-؛ ومسلم إنما يروي عنه بواسطة، وتلميذه عند الحاكم هو الفضل الشعراني وليس هو من رجال الكتب الستة. -وهو ثقة-، ثم إن في سنده اختلافا وهو لا يضر -إن شاء الله-؛ فقد اختلف فيه على هشيم، فرواه عثمان الزيات وعمرو -كما تقدم وتابعهما محمد بن حسان -كما في تلخيص المتشابه في الرسم للخطيب (١/ ٣٨٦) - موصولا -بذكر ابن عباس -رضي الله عنهما-. ورواه يعقوب بن إبراهيم الدورقي -كما في تفسير الطبري (١٩/ ٤٨٧)، وهو ثقة حافظ-؛ وفضيل بن عبد الوهاب -كما في الأهوال لابن أبي الدنيا (٨٨) وهو ثقة- عن هشيم به مرسلاً -ليس فيه ذكر ابن عباس-؛ وخالفهم جميعا: محمد بن بكار -كما عند الحارث بن أبي أسامة في مسنده (بغية الباحث/ ٧١٩) وهو ثقة- فرواه عن هشيم عن حصين عن أبي مالك -وهو غزوان الغفاري- مرسلا وسمى الرجل "أبي بن خلف". فالظاهر صحة الحديث موصولا بذكر ابن عباس وهو زيادة ثقة مقبولة لم يوجد ما يوجب التوقف فيها.