للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: النَّاسُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

• قَوْلٌ أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِثْنَاءُ وَمَنْ لَمْ يَسْتَثْنِ كَانَ مُبْتَدِعًا.

• وَقَوْلٌ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَحْظُورٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الشَّكَّ فِي الْإِيمَانِ.

• وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَوْسَطُهَا وَأَعْدَلُهَا أَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ بِاعْتِبَارِ وَتَرْكُهُ بِاعْتِبَارِ:

فَإِذَا كَانَ مَقْصُودُهُ: أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَنِّي قَائِمٌ بِكُلِّ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيَّ وَأَنَّهُ يَقْبَلُ أَعْمَالِي لَيْسَ مَقْصُودُهُ الشَّكَّ فِيمَا فِي قَلْبِهِ فَهَذَا: اسْتِثْنَاؤُهُ حَسَنٌ وَقَصْدُهُ أَنْ لَا يُزَكِّيَ نَفْسَهُ وَأَنْ لَا يَقْطَعَ بِأَنَّهُ عَمِلَ عَمَلًا كَمَا أُمِرَ فَقُبِلَ مِنْهُ وَالذُّنُوبُ كَثِيرَةٌ وَالنِّفَاقُ مَخُوفٌ عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ .... قال: وَاَلَّذِينَ اسْتَثْنَوْا مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لَمْ يَقْصِدُوا فِي الْإِنْشَاءِ وَإِنَّمَا كَانَ اسْتِثْنَاؤُهُمْ فِي إخْبَارِهِ عَمَّا قَدْ حَصَلَ لَهُ مِنْ الْإِيمَانِ فَاسْتَثْنَوْا: إمَّا أَنَّ الْإِيمَانَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَنَّةِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْخَاتِمَةَ كَأَنَّهُ إذَا قِيلَ لِلرَّجُلِ: أَنْتَ مُؤْمِنٌ. قِيلَ لَهُ: أَنْتَ عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِنٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَا كَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ. أَوْ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ أَنَّهُمْ أَتَوْا بِكَمَالِ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ .... قال: وَأَمَّا الْإِنْشَاءُ فَلَمْ يَسْتَثْنِ فِيهِ أَحَدٌ وَلَا شُرِعَ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ؛ بَلْ كُلُّ مَنْ آمَنَ وَأَسْلَمَ آمَنَ وَأَسْلَمَ جَزْمًا بِلَا تَعْلِيقٍ … ثم قال: وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُسْتَثْنَى فِي الْإِسْلَامِ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَد ا. هـ (١).

بعض ما ورد عن السلف في ذلك:

ذكر البيهقي -رحمه الله-: أنَّ رجلًا قال عند ابن مسعود -رضي الله عنه-: أنا مؤمن. فقال له ابن مسعود -رضي الله عنه- (منكرًا): قل إني في الجنة. ثم قال: " وَلَكِنَّا نَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ" (٢) (يعني: إن كنت تجزم لنفسك بالإيمان فكأنك جزمت لنفسك بالجنة وأنت لا تعلم بماذا يختم لك)

وثبت عن إبراهيم النخعي وطاووس بن كيسان ومحمد بن سيرين أنهم قالوا: إِذَا قِيلَ لَكَ: «أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ؟» فَقُلْ: «آمَنْتُ بِاللَّهِ وملائكته وكتبه ورسله» (٣)


(١) ينظر: مجموع الفتاوى (١٣/ ٤٠ - ٤٣).
(٢) شعب الإيمان (٧٠) ورواه أبو عبيد في الإيمان (١١) وابن أبي شيبة في الإيمان (٢٢) وسنده صحيح.
(٣) الإيمان لأبي عبيد (ص: ١٥، ٢١) وتهذيب الآثار (مسند ابن عباس) للطبري تهذيب الآثار مسند ابن عباس (٢/ ٦٧٥)، والشريعة للآجري (٢/ ٦٦٩). وأثر إبراهيم في الحلية أيضا (٤/ ٢٢٤) وأثر طاووس في المصنف لعبد الرزاق أيضا (١١/ ١٢٨/ ٢٠١٠٨) والسنة لأبي بكر بن الخلال (١٣٤٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>