للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هواء؛ لأن القلوب قد بلغت الحناجر من الخوف والفزع والهول.

وقوله تعالى: {عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} يدخل فيه الكُفَّارُ دخولًا أوليًّا؛ إذ الشرك بالله هو أظلم الظلم، -نسأل الله السلامة والعافية-.

وقوله: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} أي: أذلاء، وتأمل وصف القرآن لهم! {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}، ويقول الله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (١٨)} [غافر] والآزفة: اسم من أسماء يوم القيامة واليوم الآخر، والمقصود بها: القريب العاجل، فهي يومُ القيامة. وأولئك الظالمون يأتون على هذا الوصف الذي ذكره الله -جل وعلا-. قلوبهم وأفئدتهم؛ ملئت من الخوف والفزع.

ويقول الله: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٤٩) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠)} [إبراهيم]

قال الطبري -رحمه الله-: "تعاين الذين كفروا بالله، فاجترموا في الدنيا الشركَ يومئذ، يعني: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: ٤٨]

{مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٤٩)} [إبراهيم] يقول: مُقرَّنة أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأصفاد، وهي: الوثاق من غُلٍّ وسلسلة، واحدُها: صَفَدٌ" (١)

فهم موثقون في الأغلال والسلاسل، والسرابيلُ: هي القُمُص التي يلبسونها، والقطران: المادَّة التي تُطلى بها الإبل إذا أصابها الجرب، وقيل: هو النحاس.

[دنو الشمس من رؤوس الخلائق]

وفي ذلك اليوم العظيم تدنو الشمس من رؤوس العباد حتى لا يكون بينها وبينهم إلا مقدار ميل واحد، ولولا أنهم مخلوقون خلقًا غير قابل للفناء لانصهروا وذابوا وتبخَّروا، ولكنهم بعد الموت لا يموتون، ويذهب عرقهم في الأرض حتى يرويها ثم يرتفع


(١) تفسير الطبري (١٣/ ٧٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>