للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَرَادَ هِدَايَةَ الْخَلْقِ وَطَاعَتَهُمْ لَهُ وَأَرَادَ أَنْ لَا يَعْصِيَهُ أَحَدٌ وَلَا يَكْفُرَ أَحَدٌ فَلَمْ يَقْدِرْ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدَرَ عَلَى هِدَايَةِ الْخَلْقِ وَعِصْمَتِهِمْ مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَهُوَ جَوْرٌ مِنْ فِعْلِهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ، وَتَرْكُ الْخَوْضِ فِيهِ وَالْمَسْأَلَةِ عَنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ الْعَبْدُ أَنَّ اللَّهَ -عز وجل- خَلَقَ الْكُفَّارَ وَأَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ، وَخَلَقَ الْعُصَاةَ وَأَمَرَهُمْ بِالطَّاعَةِ وَجَعَلَ حُبَّ الْمَعَاصِي فِي قُلُوبِهِمْ، فَعَصَوْهُ بِنِعْمَتِهِ، وَخَالَفُوهُ بِمَا أَعْطَاهُمْ مِنْ قُوَّتِهِ، وَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَهُوَ يُعَذِّبَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مَلُومُونَ غَيْرُ مَعْذُورِينَ، وَاللَّهُ -عز وجل- عَدْلٌ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ بِهِمْ، وَغَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلِلَّهِ الْحُجَّةُ عَلَى النَّاسِ جَمِيعًا، لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)} [الأنبياء].

فَهَذَا مِنْ عِلْمِ الْقَدَرِ الَّذِي لَا يَحِلُّ الْبَحْثُ عَنْهُ وَلَا الْكَلَامُ فِيهِ، وَلَا التَّفَكُّرُ فِيهِ، وَبِكُلِّ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْتُهُ وَمَا أَنَا ذَاكِرُهُ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَجَاءَتِ السُّنَّةُ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ عَلَيْهِ، لَا يَرُدُّ ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُهُ إِلَّا قَدَرِيٌّ خَبِيثٌ مَشُومٌ قَدْ زَاغَ قَلْبُهُ وَأَلْحَدَ فِي دِينِ اللَّهِ وَكَفَرَ بِاللَّهِ، … إلخ» (١)

[النهي عن الخوض في القدر]

وقد جاء في مسند الإمام أحمد، وسنن ابن ماجه، من حديث العابد الزاهد عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: لَقَدْ جَلَسْتُ أَنَا وَأَخِي مَجْلِسًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، أَقْبَلْتُ أَنَا وَأَخِي وَإِذَا مَشْيَخَةٌ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جُلُوسٌ عِنْدَ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ، فَجَلَسْنَا حَجْرَةً، إِذْ ذَكَرُوا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، فَتَمَارَوْا فِيهَا، حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ-وفي رواية: وَالنَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْقَدَرِ-فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُغْضَبًا، قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ-وفي رواية: وَكَأَنَّمَا تَفَقَّأَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ مِنَ الْغَضَبِ-فخرج يَرْمِيهِمْ بِالتُّرَابِ، وَيَقُولُ: «مَهْلًا يَا قَوْمِ، [بِهَذَا أُمِرْتُمْ، أَوْ لِهَذَا خُلِقْتُمْ؟!] [مَا لَكُمْ تَضْرِبُونَ كِتَابَ


(١) الإبانة الكبرى (٣/ ٢٤٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>