للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَمُدَّهُمْ بِالْعُدَّةِ، وَيُؤَيِّدَهُمْ بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَالْقُوَّةِ، ثُمَّ يَنْدُبُ أَوْلِيَاءَهُ لِمُحَارَبَتِهِمْ، فَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْعُدَّةَ وَالْقُوَّةَ وَالسِّلَاحَ الَّذِي فِي أَعْدَاءِ اللَّهِ لَيْسَ هُوَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ بِهِمْ وَعَطِيَّةِ اللَّهِ لَهُمْ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ بِهِمْ وَعَطِيَّتِهِ لَهُمْ وَهُوَ جَوْرٌ مِنْ فِعْلِهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَعْطَاهُمْ وَقَوَّاهُمْ وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَسْلِبَهُمْ إِيَّاهُ وَيُهْلِكَهُمْ مِنْ سَاعَتِهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ، وَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ أَعْدَاءَهُ وَقَوَّاهُمْ وَسَلَّطَهُمْ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُهْلِكَهُمْ لَفَعَلَ، وَاللَّهُ أَعْدَلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)} [الأنبياء].

وَمِمَّا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَفَكَّرَ فِيهِ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُضْمِرَ فِي نَفْسِهِ فَيَقُولُ: لِمَ خَلَقَ اللَّهُ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَالْهَوَامَّ وَالسِّبَاعَ الَّتِي تَضُرُّ بَنِي آدَمَ وَلَا تَنْفَعُهُمْ وَسَلَّطَهَا عَلَى بَنِي آدَمَ وَلَوْ شَاءَ أَنْ لَا يَخْلُقَهَا مَا خَلَقَهَا، وَلَوْ كَانَ هَذَا مِنْ فِعْلِ مُلُوكِ الْعِبَادِ لَقَالَ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ: هَذَا غِشٌّ لَنَا وَمَضَرَّةٌ عَلَيْنَا بِغَيْرِ حَقٍّ حَيْثُ جَعَلَ مَعَنَا مَا يَضُرُّ بِنَا وَلَا نَنْتَفِعُ نَحْنُ وَلَا هُوَ بِهِ، فَمَنْ تَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ فَظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَعْدِلْ حَيْثُ خَلَقَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَالسِّبَاعَ وَكُلَّمَا يُؤْذِي بَنِي آدَمَ وَلَا يَنْفَعُهُمْ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ خَالِقًا غَيْرُ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَهَذَا قَوْلُ الزَّنَادِقَةِ وَالْمَجُوسِ وَطَائِفَةٍ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ، فَهَذَا مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْإِيمَانُ بِهِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا وَعَلِمَ أَنَّهَا تَضُرُّ بِعِبَادِهِ وَتُؤْذِيهِمْ وَهُوَ عَدْلٌ مِنْ فِعْلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا خَلَقَ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)}

وَخَصْلَةٌ أُخْرَى لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَفَكَّرَ وَيُضْمِرَ فِي نَفْسِهِ، لِمَ تَرَكَ اللَّهُ الْعِبَادَ حَتَّى يَجْحَدُوهُ وَيُشْرِكُوا بِهِ وَيَعْصُوهُ، ثُمَّ يُعَذِّبَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى هِدَايَتِهِمْ، وَهُوَ قَادِرٌ أَنْ يَمْنَعَ قُلُوبَهُمْ أَنْ تَدْخُلَهَا شَهْوَةُ شَيْءٍ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، أَوْ مَحَبَّةُ شَيْءٍ مِنْ مُخَالَفَتِهِ، وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يُبَغِّضَ إِلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ مَعْصِيَتَهُ وَمُخَالَفَتِهِ، وَقَادِرٌ عَلَى أَنْ يُهْلِكَ مَنْ هَمَّ بِمَعْصِيَتِهِ مَعَ هِمَّتِهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُمْ كُلَّهُمْ عَلَى أَفْضَلِ عَمَلِ عَبْدٍ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، فَلِمَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ؟ فَمَنْ تَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ فَظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَعْدِلْ حَيْثُ لَمْ يَمْنَعِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَنْ يُشْرِكُوا بِهِ، وَلَمْ يَمْنَعِ الْقُلُوبَ أَنْ يَدْخُلَهَا حُبُّ شَيْءٍ مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَلَمْ يَهْدِ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ فَقَدْ كَفَرَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>