الحق والباطل، فألقَت الذِّكْرَ على الرُّسُلِ إعذارًا وإنذارًا.
ومن جعل "النَّاشِرات": الرِّياح جعل "الفَارِقَات" صفةً لها، وقال: هي تفرِّقُ السَّحَابَ هاهنا وهاهنا، ولكن يأبى ذلك عطْفُ "المُلْقِيَات" بـ "الفاء" عليها.
ومن قال:"الفَارِقَات": آيُ القرآنِ؛ تُفرِّقُ بين الحقِّ والباطل، فقوله يلتئم مع كون "النَّاشِرَات" الملائكة أكثر من التئامه إذا قيل: إنَّها "الرِّياح".
ومن قال: هي جماعات الرُّسُل؛ فإنْ أراد الرُّسُلَ من الملائكة فظاهِرٌ، وإنْ أراد الرُّسُلَ من البشر فقد تقدَّمَ بيان ضعف هذا القول. ويظهر -والله أعلم بما أراد من كلامه - أنَّ القَسَم في هذه السورة وقع على النَّوعين: الرِّياحِ، والملائكةِ. ووجه المناسبة: أنَّ حياةَ الأرض والنَّبَات وأبدان الحيوان بالرِّياح، فإنَّها من رَوْح الله، وقد جعلها الله -تعالى- نُشُورًا، وحياةَ القلوب والأرواح بالملائكة. فبهذين النَّوعين يحصل نوعَا الحياة، ولهذا -والله أعلم- فَصَلَ أَحَدَ النَّوعين من الآخر بـ "الواو"، وجعل ما هو تابعٌ لكلِّ نوعٍ بعده بـ "الفاء" .... إلخ. (١)
قال ابن مسعود وابن عباس، ومسروق، وسعيد بن جبير، وأبو صالح، وأبو الضحى، والسدي: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (١)} الملائكة، يعنون حين تنزع أرواح بني آدم، فمنهم من تأخذ روحه بعنف فتغرق في نزعها، ومنهم من تأخذ روحه بسهولة وكأنما حلته من نشاط، وهو قوله: {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (٢)} قاله ابن عباس.
وعن ابن عباس:{وَالنَّازِعَاتِ}: هي أنفس الكفار، تنزع ثم تنشط، ثم تغرق في النار. رواه ابن أبي حاتم.
(١) التبيان في أيمان القرآن ط عالم الفوائد (١/ ٢٢٣ - ٢٢٩)