للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحق والباطل، فألقَت الذِّكْرَ على الرُّسُلِ إعذارًا وإنذارًا.

ومن جعل "النَّاشِرات": الرِّياح جعل "الفَارِقَات" صفةً لها، وقال: هي تفرِّقُ السَّحَابَ هاهنا وهاهنا، ولكن يأبى ذلك عطْفُ "المُلْقِيَات" بـ "الفاء" عليها.

ومن قال: "الفَارِقَات": آيُ القرآنِ؛ تُفرِّقُ بين الحقِّ والباطل، فقوله يلتئم مع كون "النَّاشِرَات" الملائكة أكثر من التئامه إذا قيل: إنَّها "الرِّياح".

ومن قال: هي جماعات الرُّسُل؛ فإنْ أراد الرُّسُلَ من الملائكة فظاهِرٌ، وإنْ أراد الرُّسُلَ من البشر فقد تقدَّمَ بيان ضعف هذا القول. ويظهر -والله أعلم بما أراد من كلامه - أنَّ القَسَم في هذه السورة وقع على النَّوعين: الرِّياحِ، والملائكةِ. ووجه المناسبة: أنَّ حياةَ الأرض والنَّبَات وأبدان الحيوان بالرِّياح، فإنَّها من رَوْح الله، وقد جعلها الله -تعالى- نُشُورًا، وحياةَ القلوب والأرواح بالملائكة. فبهذين النَّوعين يحصل نوعَا الحياة، ولهذا -والله أعلم- فَصَلَ أَحَدَ النَّوعين من الآخر بـ "الواو"، وجعل ما هو تابعٌ لكلِّ نوعٍ بعده بـ "الفاء" .... إلخ. (١)

[القسم في سورة النازعات]

وقال تعالى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (١) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (٢) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (٣) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (٤) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (٥)} [النازعات]

قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-:

قال ابن مسعود وابن عباس، ومسروق، وسعيد بن جبير، وأبو صالح، وأبو الضحى، والسدي: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (١)} الملائكة، يعنون حين تنزع أرواح بني آدم، فمنهم من تأخذ روحه بعنف فتغرق في نزعها، ومنهم من تأخذ روحه بسهولة وكأنما حلته من نشاط، وهو قوله: {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (٢)} قاله ابن عباس.

وعن ابن عباس: {وَالنَّازِعَاتِ}: هي أنفس الكفار، تنزع ثم تنشط، ثم تغرق في النار. رواه ابن أبي حاتم.


(١) التبيان في أيمان القرآن ط عالم الفوائد (١/ ٢٢٣ - ٢٢٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>