للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن جعل "المرسلات": الملائكة قال: هي تعصف في مُضِيِّها مُسرِعَةً كما تعصف "الرِّياح". والأكثرون على أنَّها "الرِّياح" … وأمَّا "النَّاشرات نشرًا"؛ فهو استئنافُ قَسَمٍ آخر، ولهذا أتى به بـ "الواو"، وما قبله معطوفٌ على القَسَم الأوَّل بـ "الفاء".

قال ابن مسعود، والحسن، ومجاهد، وقتادة: "هي الرِّياح تأتي بالمطر". ويدلُّ على صِحَّة قولهم قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: ٥٧]؛ يعني أنَّها تنشُرُ السَّحَابَ نَشْرًا، وهو ضدُّ الطَّيِّ.

وقال مقاتل: "هي الملائكةُ تنشر كتبَ بني آدم وصحائف أعمالهم"، وقاله: مسروق، وعطاء عن ابن عباس.

وقالت طائفةٌ: هي الملائكةُ تنشر أجنحَتَها في الجَوِّ عند صعودها ونزولها.

وقيل: تنشر أوامر الله في السماء والأرض.

وقيل: تنشر النُّفُوس، فَتُحْييها بالإيمان.

وقال أبو صالح: "هي الأمطار تنشر الأرض، أي: تحييها".

قلت: ويجوز أن تكون "النَّاشِرات" لازمًا لا مفعول له، ولا يكون المراد أنَّهنَّ يَنشُرنَ كذا، فإنَّه يقال: نَشَرَ الميتُ، أي: حَييَ، وأَنْشَرَهُ الله: إذا أحياه، فيكون المرادُ بها: الأنفسَ التي حَييَتْ بالعُرْفِ الذي أرسلت به "المُرْسَلَات"، أو الأشباحَ والأرواحَ والبقاعَ التي حَيِيَتْ بالرِّياح المرسلات، فإنَّ "الرِّياحَ" سببٌ لنشور الأبدان والنَّبَات، والوحيَ سببٌ لنشور الأرواح وحياتها.

لكنْ هنا أمرٌ ينبغي التفطُّن له، وهو أنَّه -سبحانه- جعل الإقسام في هذه السورة نوعين، وفَصَل أحدهما من الآخر، وجعل "العَاصِفَات" معطوفًا على "المرسلات" بـ "فاء" التعقيب، فصارا كأنَّهما نوعٌ واحدٌ، ثُمَّ جعل "النَّاشرات" كأنَّه قَسَمٌ مبتَدَأٌ فأتى فيه بـ "الواو"، ثُمَّ عطف عليه "الفَارِقات" و "المُلْقِيَات" بـ "الفاء"، فأوهم هذا أنَّ "الفارقات" و "المُلقيات" مرتبطٌ بـ "النَّاشرات"، وأنَّ "العَاصِفَات" مرتبطٌ بـ "المُرْسَلَات".

وقد اختلف في "الفَارقات"؛ والأكثرون على أنَّها الملائكة، ويدلُّ عليه عطْفُ "المُلْقِياتِ ذِكْرًا" عليها بـ "الفاء"، وهي الملائكة بالاتفاق.

وعلى هذا فيكون القَسَم بالملائكة التي نَشَرَتْ أجنحتها عند النزول، ففرَّقَت بين

<<  <  ج: ص:  >  >>