للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-عز وجل-.

وقوله: {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (٤) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (٥) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (٦)} يعني: الملائكة قاله ابن مسعود، وابن عباس، ومسروق، ومجاهد، وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي، والثوري. ولا خلاف هاهنا؛ فإنها تنزل بأمر الله على الرسل، تفرق بين الحق والباطل، والهدى والغي، والحلال والحرام، وتلقي إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق، وإنذار لهم عقاب الله إن خالفوا أمره ا. هـ (١).

وقال ابن القيم -رحمه الله-:

فُسِّرت "المرسلات" بالملائكة، … وفُسِّرت بالرِّياح، … وفُسِّرت بالسَّحَاب، … وفُسِّرت بالأنبياء، …

قلت: الله -سبحانه- يرسل الملائكةَ، ويرسل الأنبياءَ، ويرسل الرِّياحَ، ويرسل السَّحَابَ فيسوقه حيث يشاء، ويرسل الصواعقَ فيصيب بها من يشاء.

فإرساله واقعٌ على ذلك كلِّه، وهو نوعان:

إرسالُ دِينٍ يحبُّه ويرضاه، كإرسال رسله وأنبيائه.

وإرسالُ كَوْنٍ؛ وهو نوعان:

نوعٌ يحبُّه ويرضاه، كإرسال ملائكته في تدبير أمر خلقه.

ونوعٌ لا يحبُّه، بل يسخطه ويبغضه، كإرسال الشياطين على الكفار.

فالإرسالُ المقسَمُ به هاهنا مُقَيَّدٌ بـ "العُرْف":

فإمَّا أن يكون ضد المنكر، فهو إرسال رسله من الملائكة، ولا يدخل في ذلك إرسال الرِّياح، ولا الصواعق، ولا الشياطين.

وأمَّا إرسال الأنبياء فلو أُريد لقال: والمرسلين، وليس بالفصيح تسمية الأنبياء "مرسلات"، …

وإن كان "العُرْف" من: التَتَابع، … جاز أن تكون "المرسلات": الرِّياح، ويؤيده عَطْف "العاصِفات" عليه و "النَّاشِرات". وجاز أن تكون: الملائكة، وجاز أن يَعُمَّ النَّوعين؛ لِوَقْعِ الإرسال- عُرْفًا- عليهما. ويؤيِّده أنَّ "الرِّياح" موكَّلٌ بها ملائكةٌ تسوقها وتُصَرِّفُها. ويؤيِّد كونها "الرِّياح" عطف "العَاصِفات" عليها بـ"فاء" التعقيب والتسبيب، فكأنَّها أُرسِلت، فَعَصَفَتْ.


(١) تفسير ابن كثير ت سلامة (٨/ ٢٩٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>