للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال النووي -رحمه الله-: والصحيح أن المراد بالورود في الآية المرور على الصراط وهو جسر منصوب على جهنم فيقع فيها أهلها وينجو الآخرون ا. هـ (١)

وهذا المعنى لا ينافي ما ذكره القرطبي من أن الورود الدخول في النار -كما في فهم السيدة حفصة -رضي الله عنها-؛ لأن المرور على الصراط هو دخول في النار.

[يعطى المارون على الصراط نورا بحسب أعمالهم]

والمارون على الصراط يعطون نورا بحسب أعمالهم. قال الله تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢)} [الحديد]. وتقدم معنا حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- في صحيح الإمام مسلم -رحمه الله- لمَّا سُئِل عن الورود الذي يكون في ذلك اليوم، فقال -رضي الله عنه- وأرضاه: «فَتُدْعَى الأُمَمُ بِأَوْثَانِهَا وَمَا كَانَتْ تَعْبُدُ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ مَنْ تَنْظُرُونَ؟ -أي: من تنتظرون؟ -فَيَقُولُونَ: نَنْظُرُ رَبَّنَا. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: حَتَّى نَنْظُرَ إِلَيْكَ. فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ-قَالَ-فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ وَيَتَّبِعُونَهُ وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ- مُنَافِقٍ أَوْ مُؤْمِنٍ - نُورًا ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ وَعَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ وَحَسَكٌ تَأْخُذُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ، ثُمَّ يَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ … » الحديث (٢).

وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود -رضي الله عنه- فِي قَوْلِهِ: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [الحديد: ١٢]. قَالَ: «يُؤْتَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، مِنْهُمْ مَنْ نُورُهُ مِثْلُ الْجَبَلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ نُورُهُ مِثْلُ النَّخْلَةِ وَأَدْنَاهُمْ نُورًا مَنْ نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِهِ يُطْفَأُ مَرَّةً وَيَتَّقِدُ أُخْرَى» (٣).

ورواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة -وغيره- عنه مرفوعا قال -صلى الله عليه وسلم-: « … فيرفعون رؤوسهم فَيُعْطِيهِمْ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ النَّخْلَةِ بِيَمِينِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ رَجُلًا يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يُضِيءُ مَرَّةً وَيُطْفِئُ مَرَّةً فَإِذَا أضاء قدم قدمه ومشى وإذا انطفئ قَامَ عَلَى


(١) شرح النووي على مسلم (١٦/ ٥٨)
(٢) أخرجه مسلم (٤٨٩). وتقدم في المجلس الثالث والثلاثين.
(٣) مصنف ابن أبي شيبة (٧/ ١٠٧) رقم (٣٤٥٥٨) وسنده حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>