للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القرين من الملائكة]

ومن أعمالهم التي أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها أن الله -جل وعلا- وكل بابن آدم ملكًا يدعوه للخير. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ» زاد في رواية: «وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ». قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَإِيَّاي إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ؛ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلاَّ بِخَيْرٍ» (١)

فقرين الملائكة لابن آدم يدعوه للخير ويذكره ويحُثُّه عليه ويُبيِّنُ له.

وجاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا وموقوفًا: «إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّة، -واللمة يعني القرب والدنو- فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ المَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»، ثُمَّ قَرَأَ {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: ٢٦٨] الآيَةَ (٢). وهذا يدل على رحمة الله -جل وعلا- بابن آدم وأن الله -جل وعلا- يسدده، وأن الله وكَّل به هؤلاء الملائكة العظام والمباركين بحراسته وحَثِّه ودعوته إلى الخير. فالحجة قائمة عليك يا ابن آدم؛ فأقبل على طاعة الله -جل وعلا-.

أثر لمَّة الملك وأثر لمَّة الشيطان:

قال ابن القيم -رحمه الله-: وإذا تأمَّلْتَ حال "القلب" مع المَلَكِ والشيطانِ رأيتَ أعجب العجائب، فهذا يُلِمُّ به مرَّةً، وهذا يُلِمُّ به مرَّةً، فإذا أَلَمَّ به المَلَكُ حدَثَ من لَمَّتِه الانفساحُ، والانشراحُ، والنُّورُ، والرَّحمةُ، والإخلاصُ، والإنابةُ، ومحبَّةُ الله، وإيثارُه على ما سواه، وقِصَرُ الأمَلِ، والتَّجَافِي عن دار البلاء والامتحان والغرور، فلو دامت له تلك الحالة لكان في أَهْنَأ عَيشٍ وأَلَذِّهِ وأَطْيَبِهِ. ولكن تأتيه لَمَّةُ الشيطان، فتُحْدِثُ له من الضِّيقِ، والظُّلْمةِ، والهَمِّ، والغَمِّ، والخوفِ، والسَّخَطِ على المقدور، والشَّكِّ في الحقِّ، والحرص على الدنيا وعاجلِها، والغفلةِ عن الله ما هو من أعظم عذاب "القلب".

أحوال القلوب مع لمَّة الملك ولمَّة الشيطان:

قال -رحمه الله-: ثُمَّ للنَّاس في هذه المحنة مراتب لا يحصيها إلا الله -عز وجل-: فمنهم من


(١) مسلم (٢٨١٤).
(٢) أخرجه الترمذي (١٩٨٨) ورجح أبو حاتم وأبو زرعة وقفه. انظر: العلل لابن أبي حاتم (٢٢٢٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>