للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخلقهم، وخلق السماوات والأرض والمطر والنبات.

وقد تكرر في القرآن ذكرُ المخلوقات والتنبيه على الاعتبار في الأرض، وفي السماوات، والحيوان، والنبات، والرياح، والأمطار، والشمس، والقمر، والليل، والنهار. كل ذلك للإفادة والإشارة إلى العقل بأن يعلم أنه إذا تفكر قاده ذلك إلى أنَّ الله موجود؛ لأن الصنعة دليل على الصانع لا محالة. فالله -سبحانه وتعالى- يدعونا إلى التفكر، وإلى التأمل، وإلى التدبر في هذا الكون الفسيح: مَنْ خَلَقَه؟ ومَن أوجده؟ ومَن مَلَكه؟ ومَن سيَّره ودبَّره؟

فلا يبقى لملحدٍ حجة، لا يبقى لأهل الإلحاد حجة في ذلك.

وهنا جاءت الآيات {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} لم يقل: يا أيها الذين ءامنوا. وإنما هو نداء عام: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} يقول أهل التفسير في هذا النداء: لما قال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} دخل في ذلك أصناف الناس كلهم: فهو نداء لمن لا يؤمن بالله أن يؤمن بالله، ونداء للجاحد أن يعترف بوجود الله -سبحانه وتعالى-، وهو نداء للمشرك أن يُوحِّد الله، وهو نداء للمؤمن أن يطيع الله؛ ولهذا جاءت الآية: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} بنداء عام.

ولما كان النداء عامًّا جاءت فيه الأدلة والبراهين على توحيد الله رب العالمين -سبحانه وتعالى-.

الأدلة على الأمر الأول: الإيمان بوجود الله

فمن هذه الأدلة: أنَّ الله هو الخالق، وأن الله -سبحانه وتعالى- هو الذي بسط هذه الأرض، وجعلها قرارًا، وأن الله هو الذي رفع السماء بلا عمد، وجعلها بناء، وأن الله صوَّركم وأحسن صوركم، وأن الله هو الرزاق -سبحانه وتعالى-. ولهذا قال في الآية بعدها: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)} [البقرة]

فلاحظوا أن هذه الآيات وسياق هذه الآيات جاء أوَّلًا للتنبيه على أمر يؤمن به كلُّ الناس، وهو أنَّ الله هو الخالق، وأنَّ الله هو الرازق، وأنَّ الله هو المحيٍ، وأنَّ الله هو المميت، وقد تقدم معنا في مجلس سابق ذِكْرُ كثيرٍ من الأدلة الدالة على أن الذين بُعِثَ إليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يُقِرُّون بوجود الله وبأنه الخالق والرازق، فلم يكونوا ينكرون شيئًا من ذلك، وإنما كانوا يُقِرُّون به؛ فجاء القرآن ليبين لهم أن إقراركم بهذه الأمور يُوجِب عليكم

<<  <  ج: ص:  >  >>