للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك هناك تقدير حَوْليٌّ في كل عام، وذلك في ليلة القدر، يقول الله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥)} [الدخان] ويقول -عز وجل-: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤)} [الدخان]. قال أهل التفسير: يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من موت أو حياة ورزق ومطر حتى الحجاج يقال: يحج فلان ويحج فلان. قاله ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير ومقاتل وغير واحد (١).

وأخيرًا النوع الخامس من أنواع التقادير: التقدير اليومي، قال تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩)} [الرحمن] قال أهل التفسير: إن الله -عز وجل- في كل يوم يكتب أمرًا ويمحو أمرًا، ويُحيِي ويميت، ويُعِزُّ ويُذِلُّ، ويفعل ما يشاء فهذه أنواع التقادير، وليس بينها اختلاف، فقد جاء بيانها في الكتاب والسنة، وهي داخلة في علم الله.

[أحاديث في أخذ الميثاق]

يقول ربُّنا سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف: ١٧٢]

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ كَانَتْ لَكَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أَنْ لَا تُشْرِكَ - أَحْسِبُهُ قَالَ: وَلَا أُدْخِلَكَ النَّارَ - فَأَبَيْتَ إِلَّا الشِّرْكَ» متفق عليه (٢).

قال القاضي عياض -رحمه الله-: هذا تنبيه على ما جاء فى قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا}، فهذا الميثاق الذى أخذ عليهم فى صلب آدم -عليه السلام-، فمن وَفَّى به بعد وجوده فى الدنيا فهو مؤمن، ومن لم يفِ به فهو الكافر. ومراد الحديث - والله أعلم ونبيه -: قد أردت منك هذا وأنت فى


(١) ينظر: مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر (١/ ٢٥٠)، وتفسير ابن أبي حاتم (١٨٥٢٧)، والتفسير البسيط للواحدي (٢٠/ ٩٥)، الدر المنثور (٧/ ٣٩٩).
(٢) أخرجه البخاري (٣٣٣٤، ٦٥٥٧) ومسلم (٢٨٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>