للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحافظ في الفتح: قَوْلُهُ: «وحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ، فَيَفِيضَ … »

التَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ «فِيكُمُ» يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى زَمَنِ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ إِشَارَةً إِلَى مَا وَقَعَ مِنَ الْفُتُوحِ وَاقْتِسَامِهِمْ أَمْوَالَ الْفُرْسِ وَالرُّومِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ «فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ … » إِشَارَةٌ إِلَى مَا وَقَعَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ … وَيَكُونُ قَوْلُهُ: « … وَحَتَّى يَعْرِضَهُ، فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ: لَا أَرَبَ لِي به» إِشَارَةً إِلَى مَا سَيَقَعُ فِي زمن عِيسَى بن مَرْيَمَ فَيَكُونُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

الْأُولَى إِلَى كَثْرَةِ الْمَالِ فَقَطْ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ فِيهِ «يَكْثُرَ فِيكُمُ»

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ الْإِشَارَةُ إِلَى فَيْضِهِ مِنَ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ أَنْ يَحْصُلَ اسْتِغْنَاءُ كُلِّ أَحَدٍ عَنْ أَخْذِ مَالِ غَيْرِهِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَأَوَّلِ عَصْرِ مَنْ بَعْدَهُمْ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: «يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ … » وَذَلِكَ يَنْطَبِقُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ

الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ فِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى فَيْضِهِ وَحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ لِكُلِّ أَحَدٍ حَتَّى يَهْتَمَّ صَاحِبُ الْمَالِ بِكَوْنِهِ لَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ وَيَزْدَادُ بِأَنَّهُ يَعْرِضُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ الصَّدَقَةَ فَيَأْبَى أَخْذَهُ فَيَقُولُ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ وَهَذَا فِي زَمَنِ عِيسَى -عليه السلام- وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْأَخِيرُ [عند] خُرُوجِ النَّارِ وَاشْتِغَالَ النَّاسِ بِأَمْرِ الْحَشْرِ فَلَا يَلْتَفِتُ أَحَدٌ حِينَئِذٍ إِلَى الْمَالِ بَلْ يَقْصِدُ أَنْ يَتَخَفَّفَ مَا اسْتَطَاعَ ا. هـ (١)

وهذا الاحتمال الأخير قال عنه الحافظ قبل ذلك: وَهَذَا أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَات وَهُوَ الْمُنَاسب لِصَنِيعِ الْبُخَارِيِّ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ا. هـ (٢)

[الفتن بين يدي الساعة]

كذلك أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم حيث قال -صلى الله عليه وسلم-:

«بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا، أَوْ


(١) فتح الباري لابن حجر (١٣/ ٨٧ - ٨٨)
(٢) المرجع السابق (١٣/ ٨٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>