للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ لَا رَازِقَ يَرْزُقُ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا اللَّهُ دَلَّ بِهَذَا وَهَذَا عَلَى التَّوْحِيدِ … إلخ ا. هـ (١)

إذًا، توحيد الربوبية: هو إفراد الله في أفعاله من الملك، والخلق، والتدبير، والرزق، والإحياء، والإماتة. وقد نبَّه النبي -عليه الصلاة والسلام- على ذلك، فقال لابن عباس -رضي الله عنهما-: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» (٢).

[لا يعلم الغيب إلا الله]

ومن أفعال الله العلمُ بالغيب، فلا يعلم الغيب إلا الله -سبحانه وتعالى- ومن أوضح الأدلة في ذلك: قول الله-سبحانه-: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥)} [النمل: ٦٥]. آية واضحة؛ فإنه لا يعلم الغيب إلا الله،

وقد أمَرَ الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨)} [الأعراف: ١٨٨] فإذا كان نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} يعني أنا لا أعلم من الغيب إلا ما أعلمني اللهُ إيَّاه من الوحي كما قال سبحانه: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: ٢٦ - ٢٧] يعني فيوحي الله -جل وعلا- إليه بما شاء -سبحانه وتعالى-. فلا يعلم الغيب إلا الله، وهذا من الإيمان بربوبيته سبحانه، فالذين يعتقدون أنَّ الجن أو أنَّ الأولياء أو أنَّ بعض الناس أو أنَّ السحرة والمشعوذين والكُهَّان يعلمون شيئًا من الغيب فهؤلاء ما حقَّقُوا توحيدَ الربِّ -سبحانه وتعالى-.

[وقوع الشرك في الربوبية]

وقولُ العلماء: "لم يُنكِر توحيدَ الربوبيةِ أحدٌ" يقصدون به: أن الخلائق قد أقرَّت


(١) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (٣/ ١٥٤)
(٢) أحمد (٢٦٦٩)، والترمذي (٢٥١٦) واللفظ له، من حديث ابن عباس -رضي الله عنها-.

<<  <  ج: ص:  >  >>