للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا» (١).

يوم القيامة تَذْهَلُ كُلُّ مرضعة عمَّا أرضعت:

وتأملوا قول الله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ}. المرضعة التي فُطِرت على حب ولدها، والإحسان إليه، يقول الله فيها: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا}. وذلك من شدة الفزع والهول! {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} أي: تحسبهم أيها الرائي لهم سكارى من الخمر وليسوا سكارى {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (٢)} [الحج] إنه الهول الذي أذهب عقولهم، وأفزع قلوبهم، وملأها ذعرًا، وبلغت القلوب الحناجر، وشخصت الأبصار.

[يوم القيامة يشيب الولدان]

وفي ذلك اليوم لا يجزي والدٌ عن ولده ولا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئًا، بل يقول ربنا -جل وعلا-: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (١٧)} [المزمل].

هؤلاء الوِلْدان الذين ما عملوا في الدنيا شيئًا يأتون يوم القيامة شيبًا!!

تشيب رؤوسهم وهم صغار!! فما أعظمه من هول!

الوليد الذي لم يرتكب جُرْمًا يشيب شعر رأسه؛ لشدة ما يرى من أهوال في ذلك اليوم {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (١٨)} [المزمل].

[تشخص أبصار الظلمة في ذلك اليوم]

وتشخص أبصار الظلمة في ذلك اليوم -أي: لا تطرف من شدة ما ترى من الأهوال وما أزعجها من القلاقل- قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (٤٣)} [إبراهيم]. ومُهْطِعِينَ أَيْ: مُسْرِعِينَ، ومُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ: أي


(١) أخرجه مسلم (٢٨٦٤) من حديث المقداد بن الأسود -رضي الله عنه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>