للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ربنا -سبحانه وتعالى-: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤)} [يونس: ٢٤].

[دار السلام]

ثم قال بعد ذلك: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: ٢٥] يعني إلى الجنة، فهي دار سالمة من كل الآفات، وهي دار السلامة من كلِّ بليةٍ وآفةٍ ومكروهٍ.

أما الدنيا فهي دارٌ مليئةٌ بالآفات، فَفَرَحُها منقطعٌ غيرُ دائمٍ، وسرورُها زائلٌ، والحياةُ فيها منغَّصةٌ ومكدَّرةٌ بالهموم والأحزان، لا يكاد إنسانٌ يقع له الفرح والسرور حتى ينقطع، ولا يزال المؤمن فيها في هَمٍّ وفي حزن وفي كرب، وهكذا هي الدنيا لا تدوم لأحد.

فيوم علينا ويوم لنا … ويوم نُساء ويوم نُسر (١)

وقد قيل في بيان حال الدنيا.

ثمانية قام الوجود بها فهل … ترى من محيص للورى عن ثمانية

سرور وحزن واجتماع وفرقة … وعسر ويسر ثم سقم وعافية

بهنّ انقضت أعمار أولاد آدم … فهل من رأى أحوالهم متساوية (٢)

وقيل أيضا:

مَنْ ذَا الَّذِي يَبْنِي عَلَى مَوْجِ الْبَحْرِ دَارًا … تِلْكُمُ الدُّنْيَا فَلَا تَتَّخِذُوهَا قَرَارًا (٣)


(١) البيت لنمر بن تَوْلَب -رضي الله عنه- كما في "الكتاب" ١/ ٨٦ لسيبويه والحماسة للبحتري (ص: ٢٥٩) وذكره الخليل الفراهيدي في الجمل النحو (٦٦) غير منسوب. واستشهد به أبو سفيان -رضي الله عنه- يوم أحد كما في مسند أحمد (٧/ ٤١٨) رقم (٤٤١٤) عن ابن مسعود -رضي الله عنه- بسند ضعيف.
(٢) الأبيات في «معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب» (٣/ ١١٣٠) وهي منسوبة إلى الحسين بن عبد الرحيم بن الوليد بن عثمان بن جعفر أبي عبد الله الكلابي المعروف بابن أبي الزلازل، اللغويّ الأديب الكاتب الشاعر: (ت: ٣٥٤ هـ)
(٣) هذه الكلمة مروية عن جماعة من السلف أن عيسى بن مريم -عليهما السلام- وعظ بها أصحابه. رواها ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا (٣٧٠) وفي الزهد في الدنيا (٣٤٧) عن سعيد بن عبد العزيز ورواها الإمام أحمد في الزهد (٤٨١) عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول. ورواه الإمام أحمد في الزهد (٣٢٥) وابن عساكر في تاريخه (٤٧/ ٤٣٠) عن زرعة بن إبراهيم. ورواه أبو القاسم ابن حبيب النيسابوري في عقلاء المجانين (ص ٢٤) -ومن طريقه ابن عساكر- عن مجاهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>