للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟!] بِهَذَا أُهْلِكَتِ الْأُمَمُ مِنْ قَبْلِكُمْ، بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَضَرْبِهِمُ الْكُتُبَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ، فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ، فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ» قَالَ: "فَمَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِمَجْلِسٍ فِيهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ أَشْهَدْهُ، بِمَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ، أَنِّي لَمْ أَشْهَدْهُ" (١).

فما أحوجنا في هذا الزمان إلى هذا الأدب مع القرآن والسُنَّة، كلُّ من لم يفهم آية طعن في الإسلام، وكلُّ من أشكل عليه حديث بدأ يتكلم، وهؤلاء مشيخة من الصحابة -رضي الله عنهم-، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يحثو في وجوههم التراب، ويعاتبهم: «بِهَذَا أُمِرْتُمْ، أَوْ لِهَذَا خُلِقْتُمْ؟!»، ويقول: «مَا لَكُمْ تَضْرِبُونَ كِتَابَ اللهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟!»، تأديبا للأمة -صلى الله عليه وسلم-.

وفي الصحيحين عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «اقْرَؤوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ فَقُومُوا» (٢).

وجاء أيضًا في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلاَّ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِلاَّ قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً، أَوْ سَعِيدَةً» قال رجل: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ (أنتكل على كتابنا وندع العمل ما دام أنه قد كُتِبَ أهل الجنة من أهل النار أنتكل على ذلك وندع العمل؟) فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ» ثُمَّ قَرَأَ قول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (١٠)} [الليل] (٣). فالإيمان بالقضاء والقدر لا يتعارض أبدًا مع العمل؛ لأن القدر سرُّ الله المكتوم، فالله -عز وجل- لم يبين لنا ما في الغيب ونحن لا نعلم ما في الغيب. أمرك أن تطيعه


(١) أخرجه أحمد (٦٧٠٢، ٦٦٦٨)، وابن ماجه (٨٥)، وهو في صحيح مسلم (٢٦٦٦/ ٢) مختصرًا.
(٢) أخرجه البخاري (٥٠٦٠)، ومسلم (٢٦٦٧) واللفظ له.
(٣) أخرجه البخاري (١٣٦٢)، ومسلم (٢٦٤٧) من حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>