للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحِرْمَانِ وَدَرَجَةُ الطُّغْيَانِ فَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ ذَلِكَ نَظَرًا وَفِكْرًا وَوَسْوَسَةً فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَوَى عِلْمَ الْقَدَرِ عَنْ أَنَامِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْ مَرَامِهِ كَمَا قال الله تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)} [الأنبياء]. فَمَنْ سَأَلَ لِمَ فَعَلَ؟ فَقَدْ رَدَّ حُكْمَ الْكِتَابِ وَمَنْ رَدَّ حُكْمَ الكتاب كان من الكافرين ا. هـ (١)

وقال الإمام البربهاري -رحمه الله-: والكلام والجدل والخصومة في القدر خاصة منهي عنه عند جميع الفرق؛ لأنَّ القدر سر الله ونهى الرب -تبارك وتعالى- الأنبياء عن الكلام في القدر، ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخصومة في القدر، وكرهه العلماء وأهل الورع ونهوا عن الجدال في القدر، فعليك بالتسليم والإقرار والإيمان، واعتقاد ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جملة الأشياء وتسكت عما سوى ذلك ا. هـ (٢)

وقال ابن أبي العز الحنفي -رحمه الله-: أَصْلُ الْقَدَرِ سِرُّ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ أَوْجَدَ وَأَفْنَى، وَأَفْقَرَ وَأَغْنَى، وَأَمَاتَ وَأَحْيَا، وَأَضَلَّ وَهَدَى … وَالَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقٌ أَفْعَالَ الْعِبَادِ .... وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرِيدُ الْكُفْرَ مِنَ الْكَافِرِ وَيَشَاؤُهُ، وَلَا يَرْضَاهُ وَلَا يُحِبُّهُ، فَيَشَاؤُهُ كَوْنًا، وَلَا يَرْضَاهُ دِينًا ا. هـ (٣)

وقال الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله-: … وَقَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحُكَمَاءُ قَدِيمًا: «الْقَدَرُ سِرُّ اللَّهِ فَلَا تَنْظُرُوا فِيهِ فَلَوْ شَاءَ اللَّهُ أَلَّا يُعْصَى مَا عَصَاهُ أَحَدٌ»؛ فَالْعِبَادُ أَدَقُّ شَأْنًا وَأَحْقَرُ مِنْ أَنْ يَعْصُوا اللَّهَ إِلَّا بِمَا يُرِيدُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ -رحمه الله- أَنَّهُ قَالَ «لَوْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ لَا يُعْصَى مَا خَلَقَ إِبْلِيسَ» (٤). وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّيرِ «لَوْ كَانَ الْخَيْرُ فِي يَدِ أَحَدٍ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَجْعَلَهُ


(١) متن الطحاوية بتعليق الألباني (ص: ٤٩).
(٢) شرح السنة (ص: ٨٠)
(٣) شرح الطحاوية ت الأرناؤوط (١/ ٣٢٠).
(٤) لم أقف عليه عن الحسن. وهو مأثور عن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-، رواه الفريابي في القدر (٣١٠) وغيره بسند صحيح عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: «لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ لَا يُعْصَى، مَا خَلَقَ إِبْلِيسَ، وَهُوَ رَأْسُ الْخَطِيئَةِ». وروي مرفوعا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عند البزار وغيره- وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عند أبي نعيم في الحلية-، وجابر -رضي الله عنه- عند الآجري في الشريعة (٤١٦) -، وصححه بمجموع الطرق العلامة الألباني كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٦٤٢). وذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا يصح مرفوعا منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن كثير وغيرهما. وهو الصواب. انظر: تفسير ابن كثير ت سلامة (٢/ ٣٦٢) و «أحاديث معلة ظاهرها الصحة» (ص ٩٣) للعلامة الوادعي -رحمه الله-.

<<  <  ج: ص:  >  >>