للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَنَّةَ عَلَيْهَا تَفَضُّلًا مِنْهُ وَرَحْمَةً،

• وَخَلَقَ النَّارَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا، أَحْصَاهُمْ عَدَدًا، وَعَلِمَ مَا يَكُونُ مِنْهُمْ، وَقَدَّرَ عَلَيْهِمْ مَا كَرِهَهُ لَهُمْ، خَذَلَهُمْ بِهَا وَعَذَّبَهُمْ لِأَجْلِهَا غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ وَلَا هُمْ مَعْذُورُونَ فِيمَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِهِ،

فَكُلُّ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِنْ عِلْمِ الْقَدَرِ الَّذِي لَزِمَ الْخَلْقَ عِلْمُهُ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَحُكْمِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، فَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ …

• وَأَمَّا الْوَجْهُ الْآخَرُ مِنْ عِلْمِ الْقَدَرِ: الَّذِي لَا يَحِلُّ النَّظَرُ فِيهِ وَلَا الْفِكْرُ بِهِ، وَحَرَامٌ عَلَى الْخَلْقِ الْقَوْلُ فِيهِ كَيْفَ وَلِمَ وَمَا السَّبَبُ مِمَّا هُوَ سِرُّ اللَّهِ الْمَخْزُونُ وَعِلْمُهُ الْمَكْتُومُ الَّذِي لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ مَلَكًا مُقَرَّبًا وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلًا، وَحَجَبَ الْعُقُولَ عَنْ تَخَيُّلِ كُنْهِ عِلْمِهِ، وَالنَّاظِرُ فِيهِ كَالنَّاظِرِ فِي عَيْنِ الشَّمْسِ، كُلَّمَا ازْدَادَ فِيهِ نَظَرًا ازْدَادَ فِيهِ تَحَيُّرًا، وَمِنَ الْعِلْمِ بِكَيْفِيَّتِهَا بُعْدًا: فَهُوَ التَّفَكُّرُ فِي الرَّبِّ -عز وجل-

كَيْفَ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ يَقِيسُ فِعْلَ اللَّهِ -عز وجل- بِفِعْلِ عِبَادِهِ، فَمَا رَآهُ مِنْ فِعْلِ الْعِبَادِ جَوْرًا يَظُنُّ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ فِعْلِ مِثْلِهِ جَوْرٌ، فَيَنْفِي ذَلِكَ الْفِعْلَ عَنِ اللَّهِ، فَيَصِيرُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ

إِمَّا أَنْ يَعْتَرِفَ لِلَّهِ -عز وجل- بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَيَرَى أَنَّهُ جَوْرٌ مِنْ فِعْلِهِ،

وَإِمَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ مِمَّنْ يُنَزِّهُ اللَّهَ عَنِ الْجَوْرِ، فَيَنْفِي عَنْهُ قَضَاءَهُ وَقَدَرَهُ، فَيَجْعَلُ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً كَثِيرَةً يَحُولُونَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ مَشِيئَتِهِ،

فَبِالْفِكْرِ فِي هَذَا وَشِبْهِهِ وَالتَّفَكُّرِ فِيهِ وَالْبَحْثِ وَالتَّنْقِيرِ عَنْهُ هَلَكَتِ الْقَدَرِيَّةُ حَتَّى صَارُوا زَنَادِقَةً وَمُلْحِدَةً وَمَجُوسًا، حَيْثُ قَاسُوا فِعْلَ الرَّبِّ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ وَشَبَّهُوا اللَّهَ بِخَلْقِهِ وَلَمْ يَعُوا عَنْهُ مَا خَاطَبَهُمْ بِهِ، حَيْثُ يَقُولُ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)} [الأنبياء].

فَمِمَّا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَفَكَّرَ فِيهِ وَلَا يَسْأَلَ عَنْهُ، وَلَا يَقُولَ فِيهِ لِمَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَفَكَّرَ، لِمَ خَلَقَ اللَّهُ إِبْلِيسَ وَهُوَ قَدْ عَلِمَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ أَنَّهُ سَيَعْصِيهِ، وَأَنْ سَيَكُونُ عَدُوًّا لَهُ وَلِأَوْلِيَائِهِ؟ وَلَوْ كَانَ هَذَا مِنْ فِعْلِ الْمَخْلُوقِينَ إِذَا عَلِمَ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى عَبْدًا يَكُونُ عَدُوًّا لَهُ وَلِأَوْلِيَائِهِ، وَمُضَادًا لَهُ فِي مَحَابِّهِ، وَعَاصِيًا لَهُ فِي أَمْرِهِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُ وَأَحِبَّاؤُهُ: إِنَّ هَذَا خَطَأٌ وَضَعْفُ رَأْيٍ وَفَسَادُ نِظَامِ الْحِكْمَةِ، فَمَنْ تَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ وَظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُصِبْ فِي فِعْلِهِ حَيْثُ خَلَقَ إِبْلِيسَ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَعْلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>