فالعلماء المتقدمون -رحمهم الله- كما ذكرنا يجمعون بين المعجزة أو بين آيات الأنبياء وبين كرامات الأولياء في سياق واحد وفي كلام واحد، لكنهم يميزون بين الكرامة والمعجزة، ويُفرِّقون بينهما بجملة من الفروق، نذكر منها ما تيسَّر من كلام العلماء.
يقول العلماء -رحمهم الله- في الفرق بين الكرامة والمعجزة:
• إن الكرامة تابعة للمعجزة.
وذلك أنَّ المعجزة للأنبياء، فالمعجزة أو الآية التي تقع للأنبياء والمرسلين تدل على صدقهم وعلى إيمانهم، وهي مستقلة بذاتها، أما كرامة الولي فإنها تابعة لآيات الأنبياء.
وبَحَث بعضُ العلماء الجوانبَ التي يُفرَّق بها بين الآيات والمعجزات وبين الكرامات في جملة من النقاط نوجزها فيما يأتي:
• النقطة الأولى: أنَّ آيات الأنبياء المرتبطة بالنبوة لا يمكن أن تقع لغير نبي، وذلك: كنزول القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه آية عظيمة، بل هو أعظم آيات نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فلا يمكن أن يُؤتَى مثلَها وليٌّ من باب الكرامة. وهذا فرق بين الكرامة وبين المعجزة أو الآية. ومن الأمور التي لا يمكن أن تقع للأولياء: الإخبارُ عن أمور الغيب مفصَّلةً على وجه الصدق كما يقع للأنبياء، فنبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- من آياته أنه يخبر عن أمور غيبية مفصَّلة، فتقع كما أخبر -عليه الصلاة والسلام-، كما أخبر بخروج نار من الحجاز تضيء لها أعناق الإبل بِبُصرى (١) ونحو ذلك فهذه لا يقدر عليها أحد لا بكرامة ولا بسحر ولا نحوه، وكما ذكرنا فإنَّ كرامة الولي تابعة، وآيات النبي متبوعة، فآية النبي دليلٌ مستقلٌّ على نبوته، أما كرامة الولي في أيِّ أمة من الأمم فإنها تابعةٌ لنبي تلك الأمة.
• ومن الفوارق أيضًا: أنَّ كرامة الأولياء والصالحين ليست خارقة لعادة الصالحين بل هي معتادة في الصالحين من أهل الملل، فقد تقع لهذا وقد تكون وقعت لغيره من صالحي الأمم السابقة، أما آيات الأنبياء التي يختصون بها فإنها خارقة لعادة الصالحين. ولهذا قال السفاريني -رحمه الله- في تعريف الكرامة وتمييزها عن المعجزة: هي أمر خارق للعادة (وتشترك في هذا الأمر مع المعجزة) ثم قال: غير مقرون بدعوى النبوة ولا
(١) الخبر في البخاري (٧١١٨)، ومسلم (٢٩٠٢) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- ولفظه: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى».