للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام البيهقي -رحمه الله-: فأخبر أن المؤمنين هم الذين جمعوا هذه الأعمال فدل ذلك على أنها من جوامع الإيمان. قال الحليمي -رحمه الله تعالى-: إذا ثبت أن المؤمنين الموصوفين في هذه الآية إنما استوجبوا اسم المؤمنين حقا لمكان الأعمال التي وصفهم الله تعالى بها، ولم تكن الأعمال المتعبد بها هذه وحدها صح أن المراد بذكرها: هي وما في معناها من الأعمال المفروضة أو المندوب إليها "فالصلاة" إشارة إلى الطاعات التي تقام بالأبدان خاصة و "الإنفاق مما رزق الله" إشارة إلى الطاعات التي تقام بالأموال و "وجل القلب" إشارة الاستقامة من كل وجه ويدخل فيها إقامة الطاعات والانزجار عن المعاصي. قال: والآية فيمن إذا ذكر الله وجِل قلبُه وليس ارتكاب المعاصي ومخالفة الأوامر من أمارات الوجل، والآية فيمن إذا تليت عليه آيات الله زادته إيمانا، وليس التخلف عن الفرائض والقعود عن الواجبات اللوازم من زيادة الإيمان بسبيل، فصح أن الذين نفينا أن يكونوا مؤمنين حقا وأوجبنا أن يكونوا ناقصي الإيمان غير داخلين في الآية. ا. هـ (١)

ومثل ذلك قول الله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: ٦٢]

وغير ذلك من الآيات التي تدل على أن العمل من الإيمان، وأنه لا بُدَّ من العمل.

وتأملوا قصة وفد عبد القيس الذين جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لهم النبي -عليه الصلاة والسلام-: «آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: آمُرُكُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ؟ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَتُعْطُوا مِنَ المَغْنَمِ الخُمُسَ» (٢). ففسَّر لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- الإيمان بهذه الأعمال الظاهرة والباطنة؛ فدلَّ ذلك على أن هذا من الإيمان.

وكذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» (٣).

والمعنى أن من ارتكب الكبائر، وترك الواجبات فإنه ينتفي عنه اسم الإيمان الواجب، فيكون مسلمًا لكنه ناقص الإيمان؛ فدلَّ ذلك على أن العمل من الإيمان.


(١) «شعب الإيمان» (١/ ١٠٠ ط الرشد)
(٢) أخرجه البخاري (٧٢٦٦)، ومسلم (١٧) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
(٣) أخرجه البخاري (٢٤٧٥)، ومسلم (٥٧) عن أبي هريرة -رضي الله عنه-. والبخاري (٦٧٨٢) عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.

<<  <  ج: ص:  >  >>