للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي أبو محمد بن عطية -رحمه الله-: وهذه تسمية صحيحة في كل معبود يرضى ذلك كفرعون ونمرود ونحوه، وأما من لا يرضى ذلك كعزير وعيسى -عليهما السلام- ومن لا يعقل كالأوثان فسميت طاغوتا في حق العبدة، وذلك مجاز. إذ هي بسبب الطاغوت الذي يأمر بذلك ويحسنه وهو الشيطان ا. هـ (١)

ولذا قال العلماء: كلُّ ما عُبِد من دون الله وهو راضٍ فهو طاغوت (٢).

وقال الطبري -رحمه الله-: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدِي فِي الطَّاغُوتِ أَنَّهُ كُلُّ ذِي طُغْيَانٍ عَلَى اللَّهِ فَعُبِدَ مِنْ دُونِهِ، إِمَّا بِقَهْرٍ مِنْهُ لِمَنْ عَبَدَهُ، وَإِمَّا بِطَاعَةٍ مِمَّنْ عَبَدَهُ لَهُ، وَإِنَسَانًا كَانَ ذَلِكَ الْمَعْبُودُ، أَوْ شَيْطَانًا، أَوْ وَثنا، أَوْ صَنَمًا، أَوْ كَائِنًا مَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ. ا. هـ (٣)

وقال شمس الدين ابن القيم -رحمه الله-: والطاغوت: كُل ما تجاوز به العبدُ حدَّه من معبود أو متبوع أو مُطَاعٍ؛ فطاغوتُ كل قوم مَنْ يتحاكمون إليه غير اللَّه ورسوله، أو يعبدونه من دون اللَّه، أو يتبعونه على غير بصيرة من اللَّه، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة للَّه؛ فهذه طواغيت العالم … إلخ (٤)

فإذا تأملت ما ذكره ابن القيم -رحمه الله- في تعريف الطاغوت عرفت أن الطواغيتَ كثيرونَ؛ وذلك أن كل من تجاوز حده في الشرع صار بخروجه منه وتجاوزه طاغوتاً

لكن قال العلماء: رؤوسُهُمْ خمَسةٌ: أولهم: إبليسُ لعنَهُ اللهُ، والثاني: مَنْ عُبِدَ وهو راضٍ، والثالث: مَنْ دعا الناسَ إلى عبادَةِ نفسِهِ، يعني ممن يقر الغلو والتعظيم بغير حق كفرعون ومشايخ الضلال الذين غرضهم العلو في الأرض والفساد واتخاذهم أرباباً والإشراك بهم مما يحصل في مغيبهم وفي مماتهم. والرابع: مَنِ ادَّعى شيئًا مِنْ عِلمِ الغيْبِ، كالمنجمين والعرافين والسحرة والمشعوذين. والخامس: مَنْ حكمَ بغيِر مَا أنزلَ اللهُ، فهؤلاء الطواغيت، أمرنا الله باجتنابهم فقال: {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.

إذا هذه هي دعوة جميع الأنبياء، فكلهم دعوا إلى هذه الكلمة {أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا


(١) تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (١/ ٣٤٤)
(٢) المرجع السابق وانظر: «تيسير العزيز الحميد» (ص ٣١) و «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (١/ ١٦٣)
(٣) تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (٤/ ٥٥٨)
(٤) إعلام الموقعين عن رب العالمين ت مشهور (٢/ ٩٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>