للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالبلاغ كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} [الحج: ٥٢]. فأثبت الرسالة للرسول وأثبت الرسالة للنبي. يقول العلامة الشنقيطي -رحمه الله- في أضواء البيان: وآية الحج هذه تُبَيِّن أن ما اشتهر على ألسنة أهل العلم من أن النبي هو من أُوحِيَ إليه وحي، ولم يُؤمَر بتبليغه، وأنَّ الرسول هو النبي الذي أُوحِيَ إليه، وأُمِرَ بتبليغ ما أُوحِيَ إليه غيرُ صحيح؛ لأنَّ قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} يدُلُّ على أنَّ كلًّا منهما مرسَلٌ، وأنهما مع ذلك بينهما تغاير، واستظهر بعضهم أنَّ النبي الذي هو رسول أنزل إليه كتاب وشرع مستقل مع المعجزة التي ثبتت بها نبوته، وأن النبي المرسل الذي هو غير الرسول، هو من لم يُنزل عليه كتابٌ، وإنما أُوحِي إليه أن يدعوَ الناس إلى شريعة رسول قبله (١). إذًا جعلوا التفريق بين النبي والرسول ليس من جهة التبليغ، وإنما من جهة الكتاب الذي أُنزِل إليه أو الشريعة التي أُوحِيَ إليه بها.

٥ - وقال بعضهم: الفرق بين النبي والرسول: أن النبي يُبعَثُ لتقرير شريعة من كان قبله من الأنبياء. وقالوا: يُبعَثُ إلى قوم مسلمين يدعوهم إلى الله، ويُبيِّن لهم دين الله وشرع الله، وأما من بعثه الله -سبحانه وتعالى- إلى قوم كافرين يأمرهم وينهاهم فإنه رسول حتى لو لم يُعَرف كتاب أنزل إليه، وهذا القول قرَّره شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فإنه قال في جملة ما قال: فالأنبياء يُنبِّئُهم الله؛ فيخبرهم بأمره، ونهيه، وخبره، وهم يُنبِّئُون المؤمنين بهم ما أَنْبَأَهم اللهُ به من الخبر، والأمر، والنهي، فإن أُرسِلُوا إلى كفار يدعونهم إلى توحيد الله، وعبادته وحده لا شريك له، ولا بُدَّ أن يُكَذِّب الرسلَ قومٌ قال الله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢)} [الذاريات] (٢). فجعل الفرق أنَّ الأنبياء يبعثون ويرسلون إلى قوم مؤمنين، وأما من أُرسِلَ إلى كفار فدعاهم إلى التوحيد وإلى نبذ الشرك فهذا هو الرسول.

إذًا هذه جملةٌ من تفريق العلماء بين الرسول وبين النبي. والحاصل أنه لا ينبني على ذلك كثيرُ عملٍ، وإنما يجب على المسلم أن يؤمن بكل من سمَّاه الله نبيًّا أو رسولًا في كتابه الكريم.


(١) أضواء البيان (٥/ ٢٩٠).
(٢) النبوات (٢/ ٧١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>