للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٥٦) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧)} [هود]. قال الحافظ ابن كثير: وَهَذَا تحدٍّ مِنْهُ لَهُم، وتبرُّؤٌ من آلِهَتهم وتنقُّصٌ مِنْهُ لَهَا، وَبَيَان أَنَّهَا لَا تَنْفَع شَيْئًا وَلَا تضُرُّ، وَأَنَّهَا جماد حكمها حكمه وفعلها فعله، فَإِنْ كَانَتْ كَمَا تَزْعُمُونَ من أَنَّهَا تنصر وَتَنْفَع وتضر فها أَنا برِيء مِنْهَا (١).

وقال أيضاً: وقد تضمَّن هذا المقامُ حجةً بالغةً، ودلالةً قاطعةً على صدق ما جاءهم به، وبطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، بل هي جماد لا تسمع ولا تبصر، ولا توالي ولا تعادي، وإنما يستحق إخلاص العبادةِ اللهُ وحده لا شريك له، الذي بيده الملك، وله التصرف، وما من شيء إلا تحت ملكه وقهره وسلطانه، فلا إله إلا هو، ولا ربَّ سواه (٢).

وقال صديق خان -رحمه الله-: وفي هذا من إظهار عدم المبالاة بهم وبأصنامهم التي يعبدونها ما يصُكُّ مسامعهم، ويوضِّح عجزَهم وعدمَ قدرتهم على شيء، وهذا من معجزاته الباهرة ا. هـ (٣).

وقال الطاهر ابن عاشور -رحمه الله-: وقولهم: {مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} بهتان لأنه أتاهم بمعجزات لقوله تعالى: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} [هود: ٥٩] وإن كان القرآن لم يذكر آية معينة لهود -عليها السلام- ولعل آيته أنه وَعَدَهم عند بعثته بوفرة الأرزاق والأولاد واطَّراد الخصب وَفْرةً مطردة لا تنالهم في خلالها نكبة ولا مصيبة، بحيث كانت خارقةً لعادة النعمة في الأمم، كما يشير إليه قوله تعالى: {وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: ١٥] وفي الحديث الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا من الْأَنْبِيَاء نبيء إِلَّا أُوتِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ» (٤) الْحَدِيثَ. وإنما أرادوا أن البينات التي جاءهم بها هود -عليها السلام- لم تكن طبقًا لمقترحاتهم، وجعلوا ذلك علةً لتصميمهم على عبادة آلهتهم،


(١) البداية والنهاية= ط دار إحياء التراث (١/ ١٤١).
(٢) تفسير ابن كثير (٤/ ٣٣٠).
(٣) فتح المنان في مقاصد القرآن (٦/ ٢٠١).
(٤) البخاري (٤٩٨١)، ومسلم (١٥٢) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- ولفظه: «مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أُعْطِىَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَر».

<<  <  ج: ص:  >  >>