للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، أَفَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ العِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ، وَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ» (١)

وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ مسعودٍ -رضي الله عنه-: «لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، فَتُكَذِّبُوا بِحَقٍّ أَوْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَيُضِلُّونَ أَنْفُسَهُمْ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، إِلَّا وَفِي قَلْبِهِ تَالِيَةٌ تَدْعُوهُ إِلَى دِيْنِهِ كَتَالِيَةِ الْمَالِ» (٢) وفي رواية: « … إِلَّا فِي قَلْبِهِ تَالِيَةٌ تَدْعُوهُ إِلَى اللَّهِ وَكِتَابِهِ كَتَالِيَةِ الْمَالِ». وَالتَّالِيَةُ: الْبَقِيَّةُ. (٣) وزاد في رواية: قَالَ: «إِنْ كُنْتُمْ سَائِلِيهِمْ لَا مَحَالَةَ فَانْظُرُوا مَا وَاطَأ كِتَابَ اللَّهِ فَخُذُوهُ، وَمَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ فَدَعُوهُ» (٤)

قال ابن بَطَّالٍ -رحمه الله-: قال المهلب: قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ» إنما هو في الشرائع لا تسألوهم عن شرعهم فيما لا نعرفه من شرعنا لنعمل به؛ لأن شرعنا مكتف وما لا نص فيه عندنا ففي النظر والاستدلال ما يقوم الشرع منه. وأما سؤالهم عن الأخبار المصدقة لشرعنا، وما جاء به نبينا -صلى الله عليه وسلم- من الأخبار عن الأمم السالفة فلم ننه عنه. فإن قيل: فقد أمر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بسؤال أهل الكتاب فقال تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: ٩٤]. قيل: ليس هذا بمفسد لما تقدم من النهى عن سؤالهم؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن شاكًا ولا مرتابًا، وقال أهل التأويل: الخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- والمراد به غيره من الشكاك كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: ١]، وتقديره: إن كنت أيها السامع في شك مما أنزلنا على نبينا. كقولهم: إن كنت ابني فبرني. وهو يعلم أنه ابنه، فإن قيل: فإذا كان المراد بالخطاب غير النبي -صلى الله عليه وسلم- فكيف يجوز سؤال الذين يقرءون الكتاب مع جحدهم النبوة؟ ففيه قولان: أحدهما: سل من آمن من أهل الكتاب كابن سلام، وكعب الأحبار. عن ابن


(١) أخرجه البخاري (٢٦٨٥، ٧٣٦٣، ٧٥٢٢، ٧٥٢٣) واستدركه الحاكم فرواه في المستدرك على الصحيحين للحاكم (٣٠٤١) وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه!. وتعقبه الحافظ في إتحاف المهرة (٧/ ٣٨٤) وقال: قد أخرجه البخاري ا. هـ وانظر: السلسلة الصحيحة (٦/ ٨٠٤)
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة (٥/ ٣١٣) رقم (٢٦٤٢٤) وسنده صحيح.
(٣) أخرجه عبد الرزاق الصنعاني (٦/ ١١١) رقم (١٠١٦٢) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (١٣/ ٣٣٤) وانظر: موافقة الخبر الخبر (١/ ١١٩)
(٤) المرجع السابق

<<  <  ج: ص:  >  >>