للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفائدة الثالثة: أنَّ العبد يسأل ربه بهذه الدعوات أن يسلك به سبيل المهتدين، وسبيل من عافاه، وأولئك هم عباد الله الصالحون؛ ولذلك يقول: اهدني يا رب فيمن هديت، قال بعض أهل العلم: «فِيمَنْ» يعني: مع من هديته من عباد الله الصالحين، وأولئك هم الأنبياء، والصديقون، والشهداء، والصالحون، وحسن أولئك رفيقاً. فيدعو العبد ربه أن يسلك به هذا السبيل، وهي الدعوات المباركات التي اشتملت عليها فاتحة الكتاب.

وفي قول العبد: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ»، سؤال لله -جل وعلا- الهداية التامة الكاملة، الهداية المشتملة على العلم النافع، والعمل الصالح، فالعبد إذا قال: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ»، فهو يسأل ربه -جل وعلا- أن يعلمه شرعة الإسلام، وأن يفقهه في هذا الدين؛ لأنَّ الهداية أساسها معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام، والعبد إذا قال: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ»، فهو يسأل ربه -جل وعلا- أن يوفقه للعمل الصالح، فلا هداية تامة إلا بعمل صالح، بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج لمن استطاع إليه سبيلاً، بأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، بإقامة شرع الله، بطاعة الله، والائتمار بأمره، والانتهاء عن نهيه. والعبد إذا قال: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ»، فهو يسأل الله أن يرزقه التوبة والإنابة والاستغفار، فإنَّ العبد في طريقه إلى الله -جل وعلا- تختلجه الشياطين، وتأخذه الشياطين، فيقع في المعصية، و «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ» لكن كما قال -عليه الصلاة والسلام-: «وَخَيْرُ الخَطَّائِيْنَ التَّوَابُونَ» (١). فالعبد إذا قال: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي»؛ تضمن الدعاء لله أن وفقني إلى التوبة إذا وقعت في معصية لأرجع إلى سبيل من هديت، وإلى سبيل من رزقته الهداية، العبد إذا قال: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ» ينطوي قلبه على معرفة أنَّ الهداية بيد الله فهو الهادي، هو الذي يوفق من يشاء، فيزداد حمداً لله أن وفقه إلى هذا السبيل، وإلى هذا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين،


(١) أخرجه الترمذي (٢٤٩٩)، وابن ماجه (٤٢٥١)، وأحمد (١٣٠٤٩) من حديث أنس -رضي الله عنه- وحسنه الألباني

<<  <  ج: ص:  >  >>