للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٤٧)} [الطور: ٤٥ - ٤٧]

وَهَذَا يحْتَمل أَنْ يُرَاد بِهِ عَذَابهمْ بِالْقَتْلِ وَغَيره فِي الدُّنْيَا وَأَنْ يُرَاد بِهِ عَذَابهمْ فِي البرزخ -وَهُوَ أظهر- لِأَن كثيرا مِنْهُم مَاتَ وَلم يعذب فِي الدُّنْيَا وَقد يُقَال -وَهُوَ أظهر-: أَنْ من مَاتَ مِنْهُم عذب فِي البرزخ وَمن بقى مِنْهُم عذب فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَغَيره فَهُوَ وَعِيد بعذابهم فِي الدُّنْيَا وَفِي البرزخ (١).

٤ - وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١)} [السجدة: ٢١]

وَقد احْتج بِهَذِهِ الْآيَة جمَاعَة مِنْهُم عبد الله بن عَبَّاس -رضي الله عنهما- على عَذَاب الْقَبْر. (٢)

وَفِي الِاحْتِجَاج بهَا شَيْء لِأَن هَذَا عَذَاب فِي الدُّنْيَا يستدعى بِهِ رجوعهم عَنْ الْكفْر وَلم يكن هَذَا مَا يخفي على حبر الْأمة وترجمان الْقُرْآن لَكِن من فقهه فِي الْقُرْآن ودقة فهمه فِيهِ فهم مِنْهَا عَذَاب الْقَبْر فإنه سُبْحَانَهُ أخبر أَنْ لَهُ فيهم عذابين أدنى وأكبر فَأخْبر أَنه يذيقهم بعض الْأَدْنَى ليرجعوا فَدلَّ على أَنه بقى لَهُمْ من الْأَدْنَى بَقِيَّة يُعَذبُونَ بهَا بعد عَذَاب الدُّنْيَا وَلِهَذَا قَالَ من الْعَذَاب الْأَدْنَى وَلم يقل ولنذيقنهم الْعَذَاب الْأَدْنَى فَتَأَمّله.


(١) وجاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- من طرق- فِي قَوْلِهِ {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} يَقُولُ: «عَذَابُ الْقَبْرِ قَبْلَ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ». انظر تفسير الطبري (٢١/ ٦٠٢) وإثبات عذاب القبر للبيهقي (٧٠) وتفسير عبد الرزاق (٣٠١٦). ورواه الطبري أيضا (٢١/ ٦٠٣) عن الْبَرَاءِ. وفي سنده شريك ضعيف. ورواه هناد -كما في الدر المنثور (٧/ ٦٣٦) - ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (٤/ ٢٠٠) - وعبد الله في السنة (١٤٥٩) عن زَاذَانَ.
(٢) عزاه إلى ابن عباس أيضا الحافظ ابن رجب في أهوال القبور (٤٦) والمشهور عنه قولان أولهما من طريق ابن أبي طلحة عنه أنه قال: هو: مَصَائِبُ الدُّنْيَا وَأَسْقَامُهَا وَبَلَاؤُهَا مِمَّا يَبْتَلِي اللَّهُ بِهَا الْعِبَادَ حَتَّى يَتُوبُوا. رواه الطبري (١٨/ ٦٢٧). والثاني: عَنْ شَبِيبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عنه قَالَ: الْحُدُودُ " رواه الطبري أيضا (١٨/ ٦٢٩). وتفسيرها بعذاب القبر أسنده الطبري (١٨/ ٦٣١) عن مجاهد. ونقله ابن كثير (٦/ ٣٦٩) عن البراء بن عازب ومجاهد وأبي عبيدة -يعني ابن عبد الله بن مسعود-. وقول أبي عبيدة والبراء أسنده هناد بن السري في الزهد (٣٤٥) - ومن طريقه الآجري في الشريعة (٨٥٤)، وأبو نعيم في الحلية (٤/ ٢٠٦) - قال حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، أَوْ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ … فذكره. وإسناده ضعيف. فتبين بهذا أن الاستدلال بها هنا فيه ضعف. ومما يضعفه ختام الآية: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} فتأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>