للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: معناه زرق العيون من شدة العطش الذي يكون بهم عند الحشر

وقيل: أريد بذلك أنهم يحشرون عميا. (١)

ويقول مُبيِّنًا حال من أعرض عن ذكره: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤)} [طه: ١٢٤] أي: أعمى البصر؛ ولهذا يقول: {رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (١٢٦)} [طه: ١٢٥ - ١٢٦] (٢).

ويقول ربنا -جل وعلا- في آية أخرى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} [الإسراء: ٩٧]

فيأتون على هذه الهيئة من الذل والحقارة؛

كما في الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه- أن رجلًا قال: يا نبي الله، يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال:

«أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟!» (٣)

وفي الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفًا مُشَاةً، وَصِنْفًا رُكْبَانًا، وَصِنْفًا عَلَى وُجُوهِهِمْ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ؟ قَالَ: «إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَقْدَامِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَمَا إِنَّهُمْ يَتَّقُونَ بِوُجُوهِهِمْ كُلَّ حَدَبٍ وَشَوْكٍ» (٤)

وقوله: " «يَتَّقُونَ بِوُجُوهِهِمْ كُلَّ حَدَبٍ وَشَوْكٍ» الحَدَب: -بفتحتين-: الغليظ المرتفع من الأرض، أي: يجعلون وجوههم مكان الأيدي والأرجل في التوقي عن مؤذيات الطرق، وقد غُلت أيديهم وأرجلهم، وذلك لمّا لم يجعلوها ساجدة لخالقها.

-نسأل الله السلامة والعافية-.


(١) تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (١٦/ ١٦١).
(٢) مفتاح دار السعادة لابن القيم ط عالم الفوائد (١/ ١٢٣)
(٣) أخرجه البخاري (٦٥٢٣)، ومسلم (٢٨٠٦).
(٤) أخرجه الترمذي (٣١٤٢) وأحمد (٨٦٤٧)، وسنده ضعيف، لكن يشهد له ما قبله.

<<  <  ج: ص:  >  >>