للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا … » (١). فهذا الحديث المبارك يدل على أنه يؤتى بالقرآن والعمل على هذه الهيئة، فيكون في ميزان العبد مثقلًا له عند الله. وتقدم معنا أن الخُلُق الحَسَنَ أثقلُ ما يكون في الميزان.

كذلك قال أهل العلم أيضًا: قد يوزن العامل نفسه،

وقد جاء في ذلك أحاديث منها: حديث أبي هريرة المتقدم: «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ثم قرأ: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (١٠٥)} [الكهف]» (٢).

وكذلك جاء في مناقب ابن مسعود -رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الْأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مِمَّ تَضْحَكُونَ؟» قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ» (٣).

رفعه الله بعمله الصالح وهو مع ضعف بنيته وجسده قوي القلب كبير العلم جليل القدر -رضي الله عنه- وأرضاه. وقد قال الشاعر:

تَرى الرَجُلَ النَحيفَ فَتَزدَريهِ … وَفي أَثوابِهِ أَسَدٌ مزيرُ

وَيُعجِبُكَ الطَريرُ فَتَبتَليهِ … فَيُخلِفُ ظّنَّكَ الرَجُلُ الطَريرُ (٤)


(١) أخرجه مسلم (٨٠٤) من حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه-.
(٢) أخرجه البخاري (٤٧٢٨)، ومسلم (٢٧٨٥).
(٣) أخرجه أحمد (٣٩٩١) عن ابن مسعود -رضي الله عنه-. بسند حسن. ورواه أحمد (٩٢٠) والبخاري في الأدب المفرد (٢٣٧) من حديث علي -رضي الله عنه-. ورواه البزار (٣٣٠٥) والحاكم (٥٣٨٥) من حديث قرة بن إياس -رضي الله عنه-. وانظر: إرواء الغليل (٦٥) والسلسلة الصحيحة (٢٧٥٠)
(٤) البيتان للعبَّاس بن مرداس في ديوانه (ص: ٥٨، ٥٧). والمزير: هو الرجل القوي، والطرير: ذو الهيئة [«مقاييس اللغة» (٣/ ٤٠٩، ٥/ ٣١٩)]

<<  <  ج: ص:  >  >>