للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما كنا معكم نشهد الجمعات ونصلي الجماعات ونقف بعرفات ونحضر الغزوات ونؤدي معكم الواجبات؟!

فيقول لهم المؤمنون: بلى قد كنتم معنا: {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (١٤)} [الحديد]

قال ابن كثير -رحمه الله-: "قال بعض السلف: أي فتنتم أنفسكم باللذات والمعاصي والشهوات {وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ} أي: أخَّرتم التوبة من وقت إلى وقت. وقال قتادة: {وَتَرَبَّصْتُمْ} بالحق وأهله {وَارْتَبْتُمْ} أي: بالبعث بعد الموت {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ} أي: قلتم: سيغفر لنا. وقيل: غرتكم الدنيا {حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} أي: ما زلتم في هذا حتى جاء الموت {وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} أي: الشيطان. قال قتادة: كانوا على خدعة من الشيطان، والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار (١). ومعنى هذا الكلام من المؤمنين للمنافقين: إنكم كنتم معنا أي: بأبدانٍ لا نية لها ولا قلوب معها، وإنما كنتم في حيرة وشك، فكنتم تراؤون الناس، ولا تذكرون الله إلا قليلًا. قال مجاهد: كان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم ويغشونهم ويعاشرونهم، وكانوا معهم أمواتًا، ويعطون النور جميعًا يوم القيامة، ويطفأ النور من المنافقين إذا بلغوا السور، ويماز بينهم حينئذ (٢) " (٣).

-فنسأل الله السلامة والعافية-

أيها العبد المؤمن، هذا جانب واحد من تلك الجوانب العظيمة التي تقع في يوم القيامة أخبرنا عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- وفصَّل القرآن شيئًا منها.

نسأل الله -جل وعلا- أن يتقبل منا أعمالنا، وأن يعيذنا من الكفر والشرك والشقاق والنفاق وسيئ الأخلاق، ونسأله سبحانه أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.

هذا والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله.


(١) تفسير ابن جرير الطبري (٢٢/ ٤٠٦).
(٢) المرجع السابق (٢٢/ ٤٠٤).
(٣) وانظر كلام الحافظ ابن كثير في تفسيره (٨/ ١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>