للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ «عَقِيفَةٌ» بِالْقَافِ ثُمَّ الْفَاءِ وَزْنُ عَظِيمَةٌ وَلِبَعْضِهِمْ «عُقَيْفَاءُ» بِصِيغَةِ التَّصْغِيرِ مَمْدُودٌ. وَهِي المنعطفة المعوجة. (١)

وفي حديث آخر -تقدم معنا في أبواب الشفاعة-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « … فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم-، فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ، وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ» قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قَالَ: «أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَّا زَحْفًا»، قَالَ: «وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنِ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ» (٢).

يعني: يعبر على هذا الصراط إلى الجنة أقوامٌ فيُخطَفُون ويُلْقَوْن في نار جهنم

-نسأل الله السلامة والعافية-. ومنهم: أهل النفاق -كما تقدَّم معنا (٣) - أنَّ الله -عز وجل- يُعطِي كلَّ إنسان نورًا بقدر عمله، فأما المنافق فينطفئ عليه النور على الصِّراط ويُقذَف في نار جهنم.

وجاء أيضًا في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلاَّ اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ بَقِيَ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُجَازَى حَتَّى يُنَجَّى» (٤). فالمقصود بذلك التقريب، أما تلك التي تكون يوم القيامة فالله -عز وجل- أعلم بقدرها. والمقصود: أنَّ الصراط عليه كلاليب وعليه خطاطيف تختطف من أُمرِتْ بخطفه.

فيا أيها العبد المؤمن: إذا أردت النجاة من هذه الأهوال يوم القيامة فعليك بإصلاح عملك، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ


(١) ينظر: فتح الباري (١٣/ ٤٢٩)، عمدة القاري (٢٥/ ١٢٦ و ١٢٩ و ١٣٠).
(٢) تقدم.
(٣) في المجلس الثالث والثلاثين.
(٤) أخرجه البخاري (٨٠٦)، ومسلم (١٨٢) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>