للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أخبر بذلك نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- قال -عليه الصلاة والسلام-: «إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ - يعني من العبور على الصراط - حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا» (١).

قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: «هذا القصاص غير القصاص الأول الذي في عرصات القيامة، لأن هذا قصاص أخص؛ لأجل أن يذهب الغل والحقد والبغضاء التي في قلوب الناس، فيكون هذا بمنزلة التنقية والتطهير، وذلك لأن ما في القلوب لا يزول بمجرد القصاص» (٢)

وفي الصحيحين عَنْ أُسَامَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «قُمْتُ عَلَى بَابُ الجَنَّةِ، فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا المَسَاكِينُ، وَأَصْحَابُ الجَدِّ مَحْبُوسُونَ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، … » الحديث (٣).

قال الحافظ: قَوْلُهُ «أَصْحَابُ الجَدِّ» بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيِ الْغِنَى. وقَوْلُهُ «مَحْبُوسُونَ» أَيْ مَمْنُوعُونَ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ مَعَ الْفُقَرَاءِ مِنْ أَجْلِ الْمُحَاسَبَةِ عَلَى الْمَالِ وَكَأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَنْطَرَةِ الَّتِي يَتَقَاصُّونَ فِيهَا بَعْدَ الْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ ا. هـ (٤)

قال ابن بطال -رحمه الله-: وإنما صار «أَصْحَابُ الجَدِّ» محبوسون (٥) لمنعهم حقوق الله الواجبة للفقراء فى أموالهم، فحبسوا للحساب عما منعوه، فأما من أدى حقوق الله فى أمواله، فإنه لا يحبس عن الجنة، إلا أنهم قليل، إذ أكثر شأن (أهل) المال تضيع حقوق الله فيه؛ لأنه محنة وفتنة ا. هـ (٦)


(١) أخرجه البخاري (٢٤٤٠) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
(٢) «شرح العقيدة الواسطية» (٢/ ١٦٣)
(٣) صحيح البخاري (٥١٩٦، ٦٥٤٧)، وصحيح مسلم (٢٧٣٦)
(٤) فتح الباري لابن حجر (١١/ ٤٢٠)
(٥) كذا، وكأنه على الحكاية للحديث والقياس: محبوسين، وجاءت كذلك في عمدة القاري للعيني (٢٠/ ١٨٧)
(٦) «شرح صحيح البخاري» (٧/ ٣١٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>