هل يراد بالذرية الأولاد الذين ماتوا صغارا، أو هو على الإطلاق في الذرية المؤمنين،
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: غير المكلَّف قد يُرحَم، فإن أطفالَ المؤمنين مع آبائهم في الجنة، ثم احتج بالآية. (١)
وقال تلميذه ابن القيم -رحمه الله-:
قالت طائفة: المعنى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} في إيمانهم، فأتوا من الإيمان بمثل ما أتوا به، ألحقناهم بهم في الدرجات. وقد أطلق اللَّهُ سبحانه الذرية على الكبار، … قالوا: ويدلُّ على ذلك ما رواهُ ابن عباس -رضي الله عنهما- … [فذكر ما تقدم] قالوا: وأيضًا فالإيمان: هو القول والعمل والنية، وهذا إنما يمكن من الكبار. وعلى هذا، فيكون المعنى: أنَّ اللَّه سبحانه يجمع ذرية المؤمن إليه إذا أتوا من الإيمان بمثل إيمانه، إذ هذا حقيقة التَّبَعِيَّة، وإن كانوا دونه في الإيمان رفعهم اللَّه إلى درجته إقرارًا لعينه، وتكميلًا لنعيمه.
وقالت طائفة أخرى: الذرية ها هنا الصغار. والمعنى: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم في إيمان الآباء، والذرية تتبع الآباء -وإنْ كانوا صغارًا- في الإيمان وأحكامه، من الميراث والدية والصلاة عليهم، والدفن في قبور المسلمين، وغير ذلك؛ إلا فيما كان من أحكام البالغين، … قالوا: ويدل على صحة هذا القول: أنَّ البالغين لهم حكم أنفسهم في الثواب والعقاب، فإنَّهم مستقِلُّون بأنفسهم ليسوا تابعين الآباء في شيء من أحكام الدنيا، ولا أحكام الثواب والعقاب، لاستقلالهم بأنفسهم، ولو كان المراد بالذرية: البالغين؛ لكان أولاد الصحابة البالغون كلهم في درجة آبائهم، ويكون أولاد التابعين البالغين كلهم في درجة آبائهم، وهلم جرًّا إلى يوم القيامة، فيكون الآخرون في درجة السابقين.
(١) جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم- (٣/ ٢٣٩):