للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي -رحمه الله-: عنْ مُحَمَّدِ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَضَرْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ وَقَدْ جَاءَتْهُ رُقْعَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ فِيهَا: مَا تَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ -تبارك وتعالى- {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)} قَالَ الشَّافِعِيُّ -رحمه الله-: " فَلَمَّا أَنْ حُجِبُوا هَؤُلَاءِ فِي السَّخَطِ كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ فِي الرِّضَا. قَالَ الرَّبِيعُ: قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَبِهِ تَقُولُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَبِهِ أَدِينُ اللَّهَ؛ لَوْ لَمْ يُوقِنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ أَنَّهُ يَرَى اللَّهَ لَمَا عَبْدَ اللَّهَ تَعَالَى ا. هـ (١)

وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَحَادِيثُ بِمَعْنَى مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَاتُ؛ رَوَاهَا أَئِمَّةُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ فِي دَوَاوِينِ الْإِسْلَامِ عَنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَأَجِلَّائِهِمْ؛ ومنها:

ما فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ نَاسًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، -صلى الله عليه وسلم-: «هَلْ تُضَارُّونَ (٢) فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ» قَالُوا: لَا، قَالَ: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، … » الحديث بطوله (٣).

وَلَهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ نَاسًا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، -صلى الله عليه وسلم-: «نَعَمْ هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ " قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:


(١) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (٣/ ٥٦٠) رقم (٨٨٣)
(٢) (تُضَارُّونَ) بضم التاء، وتفتح، وتشديد الراء، على أنه من باب المفاعلة، أو التفاعل، من الضرر، والاستفهام للتقرير، وهو حَمْل المخاطب على الإقرار، والمعنى: هل يحصل لكم تزاحم، وتنازع يتضرر به بعضكم من بعض. وقال النووي: وروي "تضارون" بتشديد الراء، وتخفيفها، والتاء مضمومة فيهما، … قال القاضي البيضاويّ -رحمه الله-: وفي "تضارون" المشدد من الضرر، والمخفف من الضير؛ أي: تكون رؤيته تعالى رؤية جلية بيّنة، لا تقبل مراء، ولا مرية، فيخالف فيها بعضكم بعضاً، ويكذبه، كما لا يشك في رؤية أحدهما؛ يعني: الشمس والقمر، ولا ينازع فيها، فالتشبيه إنما وقع في الرؤية باعتبار جلائها، وظهورها، بحيث لا يُرتاب فيها، ولا في سائر كيفياتها، لا في المرئيّ … إلخ
(٣) صحيح البخاري (٨٠٦، ٦٥٧٣، ٧٤٣٧)، وصحيح مسلم (١٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>