للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأحضره قطلوشاه وسأله من أين أنت؟ فقال: من أمراء مصر، وأخبره بقدوم السلطان، وكان قطلوشاه ليس له علم بقدوم السلطان بعساكر مصر إلا ذلك الوقت، فعند ذلك جمع قطلوشاه أصحابه وشاورهم فيما يفعل، وإذا بكوسات السلطان والبوقات قد زحفت وأزعجت الأرض وأرجفت القلوب بحسها، فلم يثبت بولاى وخرج من تجاه قطلوشاه فى نحو العشرين ألفا من التتار، ونزل من الجبل بعد المغرب ومرّ هاربا.

وبات السلطان وسائر عساكره على ظهور الخيل والطّبول تضرب، وتلاحق بهم من كان انهزم شيئا بعد شىء، وهم يقصدون ضرب الطبول السلطانية والكوسات، واحتاط عسكر السلطان بالجبل الذي بات عليه التتار، وصار بيبرس وسلّار وقبجق والأمراء والأكابر فى طول الليل دائرين على الأمراء والأجناد يوصونهم ويرتّبونهم ويؤكّدون عليهم فى التيقّظ، ووقف كلّ أمير فى مصافّه مع أصحابه، والحمل والأثقال قد وقف على بعد، وثبتوا على ذلك حتى ارتفعت الشمس، وشرع قطلو شاه فى ترتيب من معه ونزلوا مشاة وفرسانا وقاتلوا العساكر، فبرزت المماليك السلطانيّة بمقدّميها إلى قطلو شاه وجوبان، وعملوا فى قتالهم عملا عظيما، فصاروا تارة يرمونهم بالسهام وتارة يواجهونهم بالرماح، واشتغل الأمراء أيضا بقتل من فى جهتهم يتناوبون القتال أميرا بعد أمير، وألحّت المماليك السلطانية فى القتال وأظهروا فى ذلك اليوم من الشجاعة والفروسية ما لا يوصف حتّى إنّ بعضهم قتل تحته الثلاثة من الخيل، وما زال الأمراء على ذلك حتّى انتصف نهار الأحد، صعد قطلو شاه الجبل وقد قتل من عسكره نحو ثمانين رجلا، وجرح الكثير واشتدّ عطشهم، واتّفق أنّ بعض من كان أسره التتار هرب ونزل إلى السلطان، وعرّفه أنّ التتار قد أجمعوا على النزول فى السّحر لمصادمة العساكر السلطانية، وأنّهم فى شدّة من العطش،