وفيهم رجال كالبدور وجوههم ... فمن بين ذي ظرف كثير وأمرد
[وفي غيرة النساء]
روي في الخبر: أيما امرأة غارت فصبرت دخلت الجنة. وقيل: غيرة النساء أشد من غيرة الرجال. وقيل: هذا خطأ فليس ما ينال المرأة إذا رأت امرأة على فراش زوجها، من جنس ما ينال الرجل إذا رأى رجلا على فراش امرأته.
تزوّج رجل من همدان بنت عمه وكان محبا لها فلم يلبث أن ضرب عليه البعث إلى أذربيجان فأصاب بها خيرا واستفاد جارية تسمّى حبابة وفرسا يقال له الورد. فلما قفل القوم امتنع من القفول وقال أخشى أن امرأتي تمنع عليّ جاريتي، وإني لمشغوف بها، ثم قال:
ألا لا أبالي اليوم ما صنعت هند ... إذا بقيت عندي حبّابة والورد
شديد مناط المنكبين إذا جرى ... وبيضاء مثل الرّيم زيّنها العقد
فسمعت بذلك المرأة فكتبت إليه:
ألا فاقره منّي السلام قل له ... غنينا بفتيان غطارفة مرد «١»
إذا شاء منهم ناشئ مدّ كفّه ... إلى كفل ريّان أو كاعب نهد
فأرسل لنا منك السراح فإنّه ... منانا ولا ندعو لك الله بالردّ
إذا رجع الجند الذي أنت فيهم ... فزادك ربّ النّاس بعدا إلى بعد
فلّما وصل إليه الكتاب باع الجارية وبادر إليها فرآها معتكفة في مصلاها فقال: ما فعلت؟ فقالت: معاذ الله أن أركب محرّما ولكني أردت أذيقك طعم الغيرة كما أذقتني.
وكان رجل بالكوفة متزوجا بابنة عمه وله ضيعة بالبصرة يخرج إليها في كل سنة، فتزوج امرأة بالبصرة فسقط خبرها إلى ابنة عمه فكتبت يوما كتابا عن أم البصرية تعزّيه في ابنتها وتستعجله لقسمة ميراثها ودفعته إلى رجل غريب وأمرته أن يوصله إليه خفية فلما قرأه تجهّز، وقال: إنّ أمر ضيعتي بالبصرة قد تشعّث، ولا بد من أن ألم بها. فقالت المرأة: كم تقول البصرة؟ أحسبك ذا امرأة بالبصرة تشتاق إليها أحلف لي بطلاق كل زوجة لك بالبصرة. فقال الرجل في نفسه: وما يضرني ذلك وقد ماتت امرأتي بها؟ فحلف لها فقالت:
استقر الأمر فلا بأس بالضيعة وأخبرته بالخبر.
[جواز نهي الرجل عن التزويج بغير زوجته وخطر ذلك عليه]
روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صعد المنبر يوما فقال: إن بني هشام بني المغيرة استأذنوني أن ينكحوا فتاتهم عليا ألا فلا آذن ثم لا آذن ثلاثا إلا أن يحب عليّ أن يطلق ابنتي وينكح فتاتهم. إن فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها، وقال صلّى الله عليه وسلّم: جدع الحلال أنف الغيرة.