أمؤمن أنت؟ فقال له: إن كنت تريد قول الله تعالى: آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا
«١» فنعم به نتناكح وبه نتناسل وبه حقنا دماءنا، وإن كنت تريد قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
«٢» ، فما أدري أنا منهم أم لا؟
وسئل الفضيل عن الورع فقال: اجتناب المحارم. وقيل لأبي هريرة: صف لنا التقوى، فقال: إذا دخلت أرضا فيها شرك كيف تصنع؟ فقال: أتوقى وأتحرز، فقال: فاتّق من الدنيا هكذا، فهذه التقوى. أخذه ابن المعتز، فقال:
كن مثل ماش فوق أر ... ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرّن صغيرة ... إن الجبال من الحصى
وقيل: ليس الإيمان بالتحلّي ولا التمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال، وأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم بجارية فقيل له: هل تجزي هذه عن العتق؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: أين ربّك؟ فرفعت يدها إلى السماء فقال لها: من أنا؟ قالت: رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة.
[حقيقة التقوى]
قيل: هي الامتناع من المحرّمات. وقيل: تغيّب المولى في قلوب أوليائه يحثّهم على الخير ويمنعهم من الشر. وقال الحارث: هي انتهاء الجوارح عما نهى الله تعالى عنه إلى ما أمر به. قال الله: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ
«٣» . وقال عمر بن عبد العزيز: ليست التقوى قيام الليل ولا صيام النهار والتخليط فيما بين ذلك، ولكنّ التقوى ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله، فمن رزق خيرا بعد ذلك فهو خير.
وسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من آلك؟ فقال: كلّ تقي ألا أن أولياء الله هم المتّقون.
[حقيقة المحبة وعلاماتها وأحوالها]
قال يحيى بن معاذ رحمه الله: حقيقة المحبّة لا يزيدها البرّ ولا ينقصها الجفاء وقال صلّى الله عليه وسلّم: إذا أحب الله عبدا جعل له واعظا من نفسه وزاجرا من قلبه يأمره وينهاه. وقال إن الله تعالى يقول: ما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ من أداء ما افترضت عليه وإنّ عبدي لا يزال يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته.
وقال جعفر إذا أحبّك الله سترك وإذا أحببته شهرك.
وقال: إذا أحبك أنامك وإذا أحببته أقامك، فهذا هو الفرق بين المريد والمراد.