للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلموهم نزرا وأطعنوهم شزرا ولا تقبلوا لهم عذرا، أقصروا الأعنّة واشحذوا الأسنّة وكلوا القريب يرهبكم البعيد. ولما حضرت الفرزدق الوفاة قال لقومه:

أروني من يقوم لكم مقامي ... إذا ما الأمر جلّ عن العتاب «١»

إلى من تفزعون إذا حثيتم ... بأيديكم عليّ من التراب «٢»

فقالت مولاة له: إلى الله تعالى، فقال: أتتكلمين على غيري، وأنت تعيشين في مالي؟ أمحو اسمها وكتبها من الوصية.

وقيل للحطيئة: أوص يا أبا مليكة، قال: نعم أخبروا الشمّاخ أنه أشعر العرب، فقيل أوص للمساكين، فقال: أوصيهم بالإلحاف في المسألة، قيل: أعتق عبدك فلانا، قال: هو عبد ما بقي على ظهر الأرض وعتيق إذا صار في بطنها، فقيل: أوص فإن لك بنات قال:

مالي للذكور دون الإناث، فقالوا له: إن الله لم يقل كذا قال: أنا أقوله، قيل: فأوص للأيتام بشيء، قال: كلوا أموالهم وانكحوا أمهاتهم. ثم قال: احملوني على حمار فإنه لم يمت عليه كريم قط، وويل للشعر من رواة السوء.

وكان دريد بن الصمة قد عاش أربعمائة سنة فلما نزل به الموت قال لولده: أوصيكم بالناس شرا، طعنا لزا وضربا أزا، وإن أردتم المحاجزة فقبل المناجزة، أقصروا الأعنة وأطيلوا الأسنة وأرعوا الكلأ، ثم قال:

اليوم هيي لدريد بيته ... يا ربّ بهت حسن حويته «٣»

ومعصم ذي مرة لويته ... لو كان للدهر بلى أبليته

أو كان قرني واحدا كفيته «٤»

قال إسماعيل بن قيس: دخلنا على معاوية في مرضه الذي مات فيه، فقال: هل الدنيا إلا ما جربنا لوددت أني لا أقيم فيكم ثلاثا حتى ألقى الله، فقلنا: إلى رحمة الله.

فقال: إلى ما شاء الله. إني لم آل فيكم إذ وليتكم فإن الله لو كره أمرا غيّره. قال ابن عيينة: هذا والله الاغترار، ألم تكن مقاتلته عليا وقتله حجرا وبيعته ليزيد مما يكره الله تعالى؟

من أحبّ الموت وذكر نفعه ومضرّته

قال عبد الله بن مسعود: ما من نفس حيّة إلا والموت خير لها إن كان برا فإن الله تعالى يقول: وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ

«٥» ، وإن كان فاجرا فإن الله تعالى يقول: وَلا

<<  <  ج: ص:  >  >>