صعوبة تولّيها
قيل لعبد الملك: أسرع إليك الشيب، فقال: كيف لا؟ وأنا أعرض عقلي في كل جمعة على النّاس.
وقيل: نعم الشيء الأمارة، لولا قعقعة البريد وصعوبة المنبر.
وقيل: إياك والخطبة فإنها مشوار كثير العثار «١» . وقيل: لا يقدم على الخطبة إلا فائق أو مائق «٢» .
وقال عبد الله القسري: هو مقام لا يقومه إلا أهوج أو قليل الحياء.
وقال عمر رضي الله عنه: لا يتصعّدني شيء كما تتصعدني خطبة النكاح. وقيل: إنما صعب عليه لقرب الوجوه من الوجوه ومن صعد المنبر رأى نفسه أرفع فيكون أجسر.
وقيل أنه لا يجد من تزكية الخاطب بدا فلذلك كرهه.
[من ارتج عليه فيها فاعتذر بعذر حسن]
ارتج على عثمان رضي الله عنه، فقال: إنكم إلى أمير فعّال أحوج منكم إلى أمير قوّال.
وارتج على يزيد بن المهلب فلما نزل قال:
فإن لا أكن فيكم خطيبا فإنّني ... لسيفي إذا جدّ الوغا لخطيب
فقيل: لو قلت هذا على المنبر، لكنت أخطب العرب. وصعد خالد بن عبد الله القسري المنبر فأرتج عليه فقال: إن هذا الكلام يجيء أحيانا، ويعسر أحيانا وربما طلب فأبى وكوبر فعتا. التأنّي لمجيئه أيسر من التعاطي لأبيّه. وقد يختلط من الجريء جنانه وينقطع من الذرب لسانه، وسأعود فأقول.
وارتج على أبي العباس السفّاح لما صعد المنبر فنزل ثم صعد، وقال: أيّها النّاس إن اللسان بضعة من الإنسان، يكل بكلاله إذا كلّ ويرتجل لارتجاله إذا ارتجل. ونحن أمراء الكلام بنا تفرّعت فروعه، وعلينا تهدّلت غصونه، ألا وإنا لا نتكلم هذرا بل نسكت معتبرين وننطق مرشدين.
[من اعتذر بخرافة أو نادرة]
حضر عبد الله بن عامر على منبر البصرة فاشتد جزعه فقيل: إن هذا مقام صعب فامتحن فيه غيرك. فأمر وازع بن مسعود أن يصعد ويخطب فلما ابتدأ الكلام حصر، فقال:
لا أدري ما أقول لكم، ولكنني أشهدكم أن امرأتي طالق فهي التي أكرهتني على حضور الصلاة. ثم أمر آخر فصعد المنبر فارتج ونظر إلى الصلع فقال: اللهمّ العن هذه الصلعة.