[(٣) ومما جاء في وصف المجالس وأمكنة الشرب.]
[اختيار المجلس الفسيح]
قيل للأحنف: أي المجالس أحب إليك؟ قال: ما سافر فيه البصر واتدع فيه البدن.
وقيل: المنازل الضيقة العمى الأصغر. وسئل بعضهم عن الغنى، فقال: سعة البيوت ودوام القوت. وقيل لبعضهم: ما السرور؟ فقال: دار قوراء وامرأة حسناء وفرس مربوطة بالفناء.
وقيل لبعضهم: أي المجالس أطيب؟ فقال: لولا أن الشمس تحرق والمطر يغرق لما كان في الدنيا أحسن من شرب في الفضاء على وجه السماء.
وحدثني أبو سعيد بن مرداس أنه قعد مع جماعة فيهم ابن بابك تحت عريش كرم يشربون فأصابهم مطر، فقال ابن بابك:
وشى بريّا إليّ ... طيف ألمّ فحيّا
ونبهتني شمول ... تموت فيّ وأحيا
يا صخرة الرّعد رشّي ... دمع الغمام عليّا
فحبّذا الروح وردا ... ومنحنى النورفيّا
هذي سماء مدام ... لم تمش فيها الحميّا
فكلّ كرم سماء ... وكلّ نجم ثريّا
حديث كلّ مجلس
قال أرسطاطاليس للإسكندر: احفظ ما أقول لك، إذا كنت في مجلس الشرب فليكن مذاكرتك الغزل فإنهم يأنسون إلى ذلك، وإذا جلست إلى خاصّتك فاذكر الحكمة فإنهم لها أفهم، وإذا خلوت للنوم فاذكر العفّة فإنها تمنعك أن تضع النطفة في ما لا معنى له.
[مدح القعود في طرف المجلس والاعتذار لذلك]
دخل بعض الصوفية على الجنيد وقعد في طرف المجلس، وقال: حسبي يا سيّدي من مجلسك مكاني من قلبك. وقيل: الأطراف مجالس الأشراف. ودخل رجل على بعض الكبار فصدّره، ثم دخل آخر فقال له: تنح قليلا فرفعه إلى جنبه، ثم دخل آخر فقال له مثل قوله. فلم يزل الداخل الأول يتنحى حتى صار في طرف البساط، فقال لصاحب المنزل: قد تفرزنت أقوم فأرجع إلى موضعي، فضحك منه ورفعه إلى موضعه الأول.
الجلوس على الطّرق وفي المساجد
مر رسول الله صلّى الله عليه وسلم على رهط، فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: إيّاكم