رشحك غذاؤه وارع حمى أكنك «١» فناؤه وقيل: ميلك إلى بلدك من شرف محتدك.
حبّ مسقط الرأس وصعوبة مفارقته
قال حفص الطائي: رأيت جارية تقود عنزا فقلت: يا جارية أيّ البلاد أحب إليك؟ فقالت:
أحبّ بلاد الله ما بين منعج ... إليّ، وسلمي إن تصوب سحابها
بلاد بها نيطت عليّ تمائمي ... وأول أرض مسّ جلدي ترابها «٢»
وقال ابن الرومي:
ولي وطن آليت أن لا أبيعه ... ولا أن أرى غيري له الدهر مالكا «٣»
عهدت به شرخ الشباب ونعمة ... كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا «٤»
فقد ألفته النفس حتّى كأنّه ... لها جسدان بأن غودر هالكا
وحبّب أوطان الرجال إليهم ... مآرب قضّاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم ... عهود الصّبا فيها فحنوا لذلكا
وقال آخر:
وكلّ نفس تحبّ محياها
وكفى بدلالة محبته قول الله تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ
«٥» الآية وقال الشريف الموسوي:
وفي الوطن المألوف للنّاس لذة ... وإن لم ينلنا العزّ إلا التقلب
[المستشفي بتراب أرضه وريحها]
لما أسر سابور «٦» ببلد الروم قالت له بنت الملك، وكان قد مرض وعشقته، ما تشتهي؟ قال: شربة من ماء دجلة وشمّة من تراب اصطخر «٧» . فحملا إليه فبرأ. واعتلّ أعرابي فقيل له: ما تشتهي؟ قال: حسل «٨» فلاة وحسي قلاة.
وكان من عادة العرب إذا غزت أو سافرت حملت معها من تراب بلدها فتنشقه عند نزلة أو صداع.
من تشوّق مكان إلفه بعدما كرهه
قال بعضهم:
ألفنا ديارا لم تكن من ديارنا ... ومن يتألف بالكرامة يألف