كان الإكرام مفسده لم تكن الزيادة فيما يفسده له مصلحة. جنّب كرامتك اللئام فإنك إن أحسنت إليهم لم يشكروا وإن نزلت بهم شدة لم يصبروا.
قال شاعر:
سأحرمكم حتّى يذلّ صعابكم ... فانجع «١» شيء في صلاحكم الفقر
قال آخر:
إنّ اللئيم إذا رأى ... لينا تزايد في خسرانه
لا تكذبنّ فصلاح من ... جهل الكرامة في هوانه
[الاستعانة بالجهل عند الحاجة إليه]
أكرموا سفهاءكم فإنهم يكفونكم النار والعار، وبينما ابن عمر رضي الله عنهما جالس إذ أقبل أعرابي فلطمه فقام إليه رجل فجلد به الأرض، فقال ابن عمر: ليس بعزيز من ليس في قومه سفيه. وقيل: اجعل لكلّ كلب كليبا يهرّ دونك، فالعرض يصان بمثل سفيه يصول «٢» وحاد يقول:
لا بدّ للسؤدد من أرماح ... ومن سفيه دائم النباح
قال الأحنف:
ومن يحلم وليس له سفيه ... يلاقي المعضلات من الرّجال
وقال آخر:
ولا يلبث الجهّال أن يتهضّموا ... أخا الحلم ما لم يستعن بجهول
الرخصة في عقاب المجرم والحثّ عليه
قال الله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ
«٣» وقال: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ
«٤» ، وجاء أعرابيّ إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال:
أتخاف عليّ جناحا إن ظلمني رجل فظلمته؟ فقال ابن عباس: وإن تعفوا أقرب للتقوى ولمن انتصر بعد ظلمه، فأولئك ما عليهم من سبيل.
وقال الشعبي: يعجبني الرجل يكافىء بالسيئة السيئة، فإذا سيم هوانا «٥» أبت له الأنفة إلا المكافأة. فبلغ قوله الحجّاج فقال: لله درّه «٦» . أيّ نفس بين جنبيه. وقال الجاحظ: من قابل الإساءة بالإحسان فقد خالف الربّ في تدبيره، وظنّ أن رحمته فوق رحمة الله تعالى والناس لا يصلحون إلا على الثواب والعقاب.