للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنّي كنت أتحرّج أن أطأ نملة وأن الحجّاج يكتب إلي في قتل فئام «١» من الناس فما أحفل «٢» بذلك.

وقال له الزهري يوما: بلغني أنك شربت الطلاء فقال: أي والله والدماء. وقال: عجبا للسلطان كيف يحسن، وإذا أساء وجد من يزكيه ويمدحه؟ وفي كتاب الهند: السلطان ذو غدوات وبدوات ونزوات، أي أنه سريع الإنصراف كثير البذاء «٣» هجوم على الأمور.

تكدّر عيشه

قيل: لا أحد أمرّ عيشا وأكدّ تعبا وأطول فكرة، من الملك العارف بالمعاد المتيقن بالثواب والعقاب، قال الشاعر:

يا ربّ أفئدة بنار همومها ... تكوى فتشقى في جسوم ناعمه

وقيل: لا تنظروا إلى خفض عيش السلطان ولين لباسه، وانظروا إلى سرعة ظعنه ومكنون حزنه وسوء منقلبه.

[من أظهر الندامة عند الموت من الكبار لما ثقل]

رأى عبد الملك غسالا فقال: وددت أني كنت غسالا لا أعيش إلا بما كسبت يوما فيوما. فذكر لأبي حازم، فقال: الحمد لله الذي جعلهم يتمنون عند الموت ما نحن فيه.

ولا نتمنى عنده ما هم فيه. وكان يقول: بعنا الدنيا والآخرة بغفوة.

[ممتنع من الولاية]

في الخبر، نودي لقمان أني أجعلك خليفة في الأرض. فقال: إن أجبرني ربّي فسمعا وطاعة، وإن خيّرني اخترت العافية. فولّاه الحكمة، وصرفت الخلافة إلى داود عليه السلام. فكان إذا رآه داود، قال: وقيت الفتنة يا لقمان.

وقيل لبعضهم: ما يمنعك من الإمارة؟ قال حلاوة رضاعها ومرارة فطامها. وبعث هشام إلى إبراهيم بن جبلة فقال: أنا قد عرفناك صغيرا، وخبرناك كبيرا، ورضينا سيرتك.

وقد رأيت أني أشركك في عملي وقد ولّيتك خراج مصر. فقال: أما الذي عليه رأيك، فالله يجزيك، وأما أنا فما لي بالخراج بصر، فضحك وقال: لتلينّ طائعا أو كارها فتركه حتى سكنت سورة غضبه، ثم قال: إن الله تعالى يقول: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها

«٤» فما غضب حيث أبين ولا أكرههن إذ كرهن فأنت حقيق «٥» أن لا تغضب ولا تكره فغضب وتركه.

<<  <  ج: ص:  >  >>